صلالة في أول أغسطس / العُمانية / ناقش ملتقى الصداقة العُماني الصيني استثمار العمق التاريخي للعلاقات بين البلدين الصديقين لبناء مسارات المستقبل المشترك، وبحث محددات التعاون الثنائي بمشاركة عددٍ من المختصين والخبراء.
جاء ذلك خلال النسخة الثانية من الملتقى، تحت عنوان "نحو مسارات تعاون تمهِّد للمستقبل المشترك"، الذي نظمته اليوم جريدة الرؤية وسفارة جمهورية الصين الشعبية لدى سلطنة عُمان وجمعية الصداقة العُمانية الصينية، تحت رعاية صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار بفندق هيلتون صلالة .
وألقى حاتم بن حمد الطائي الأمين العام للملتقى، ورئيس تحرير جريدة الرؤية كلمة قال فيها: إن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والصين تجاوز أكثر من 40.45 مليار دولار أمريكي، فيما بلغت الاستثمارات الصينية في سلطنة عُمان ما يزيد على 6.6 مليارات دولار، ويستحوذ قطاع الطاقة والبتروكيماويات على 76 بالمائة من هذه الاستثمارات.
وأضاف: إن العامين الماضيين شهدا زيادةً في المشروعات الاستثمارية الصينية في سلطنة عُمان، التي من بينها ضخ نحو 230 مليون دولار أمريكي لتنفيذ مشروعات في المنطقة الحرة بصلالة، إلى جانب سلسلة جهود ثنائية واعدة للغاية، في مشروعات الطاقة المتجددة، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر.
من جانبه ألقى المستشار وانغ شيو هونغ القائم بالأعمال بسفارة جمهورية الصين الشعبية لدى سلطنة عُمان كلمة أكد فيها أن مدينة صلالة لها أهمية خاصة للصداقة العُمانية الصينية وهي محطة تاريخية مهمة للتبادلات عبر طريق الحرير البحري القديم، فقد قام البحار الصيني المشهور تشنغ خه وأسطوله قبل 600 عام بعدة زيارات إلى صلالة، وأحضر معه الحرير والخزف الصيني وعاد معه اللُبان والتوابل العُمانية.
ووضّح أن التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين في تسارع؛ إذ تعد الصين أكبر شريك تجاري وأكبر مستورد للنفط الخام العُماني، وبلغ حجم التجارة الثنائية بين سلطنة عُمان والصين في الفترة من يناير إلى مايو 2024، أكثر من 15 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 8%، بالإضافة إلى تنفيذ عددٍ من المشروعات الكبرى في مجالات الطاقة الجديدة وصناعة التعدين وتوليد الكهرباء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
كما ألقى الدكتور خالد بن سالم السعيدي رئيس مجلس إدارة جمعية الصداقة العُمانية الصينية كلمة أوضح فيها أن ملتقى "الصداقة العُماني الصيني"، يأتي بعد مدة قصيرة من احتفال جمهورية الصين الشعبية بمرور سبعين عامًا على إعلان الصين المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، والعمل سويًا "نحو مجتمع المستقبل المشترك للبشرية"؛ بهدف توفير قوة دافعة لتقدم الحضارة البشرية؛ حيث يرتبط ذلك العنوان مع مبادرة الرئيس الصيني شي جين بنغ العالمية "الحزام والطريق"، والتي أطلقها قبل أحد عشر عامًا؛ بهدف ربط الصين بالعالم، عبر سلسلة من الطرق والمحطات البرية والبحرية والجوية؛ من أجل تسهيل تبادل الاستثمارات والمنافعِ المشتركة بين مختلف الدول والشعوب.
وبيّن أن إقامة هذا الحدث سنويًّا يؤكد عمق العلاقات بين سلطنة عُمان والصين، التي تستند في جذورها إلى إرثٍ تاريخي وحضاري من التعاون وتبادل الزيارات والمنافع منذ آلاف السنين، وحرص سفارةِ جمهوريةِ الصينِ الصديقة على دعمهم لهذا المُلتقى واستمراره.
وأشار إلى أن من مُستهدفات رؤية "عُمان 2040" أن تكون الموانئ العُمانية بشكل خاص وسلطنة عُمان بشكل عام، مركزاً لوجستيًّا ومحطة رئيسة من محطات مبادرة "الحزام والطريق"، كما كانت قبل ذلك في العصور الماضية، مُستفيدةً في ذلك من موقعها الجغرافي المميز، ومن العلاقات المتميزة التي تربط سلطنة عُمان بدول العالم أجمع، وعلى وجه الخصوص جمهورية الصين الشعبية التي نتوافق معهم في حق العالم من السلام والطمأنينة، دُون التدخُّل في الشؤون الداخلية للآخرين.
وأكد على أن التبادل التجاري والحضاري، بين سلطنة عُمان والصين يمتدُّ لما قبل الميلاد؛ إذ تُشير وثائق الحوليات الصينية التي تُرْجِمت بعض نصوصها إلى اللغة العربية، أن تلك العلاقات بدأت فعلاً في القرن الأول قبل الميلاد، وتحديدًا في عهد الإمبراطور تشانغ تشيان الذي ينتمي لأسرة "هان"، كما أنَّ المؤرِّخ الصيني "فواين جانغ" ذكر في كتابه "مبادئ الشرق" أنَّ اللُّبان كان ضمن السلع التي يتم استيرادها من ظفار، وذكر كذلك المؤرخ الصيني "لي يوساي" أنه "كانت تُقام سوق سنوية في (بادانيا) بمنطقة الخليج تعرض فيها السلع الصينية"، موضحًا أن "بادانيا" هي دبا العُمانية التي كانت العاصمة السياسية والاقتصادية لأسرة آل الجلندى في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام.
عقب ذلك قدم ورقة العمل الرئيسة للملتقى الشيخ الدكتور عبدالله بن صالح السعدي سفير سلطنة عُمان السابق لدى الصين تناول فيها العلاقة التاريخية بين سلطنة عُمان والصين والتي شهدت تطورًا ملاحظًا على مر السنوات الست والأربعين، وذلك بفضل الروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية التي تجمع البلدين.
وأشار إلى أن التجارة البحرية بين البلدين نشطت على مر العصور، وأسهمت في تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية حيث كانت سلطنة عُمان والصين جزءًا من طريق الحرير البحري القديم، ويتبادلان السلع والخبرات والمعرفة، ومن خلال هذه الروابط، بنيت علاقات قوية ومستدامة بين البلدين.
وأكد أنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 25 مايو 1978، أصبحت الصين إحدى الشركاء التجاريين الرئيسين لسلطنة عُمان، وتزايدت العلاقات التجارية والاستثمارية باستمرار؛ ما أدى لتعزيز الروابط الاقتصادية، إذ تتسم العلاقات العُمانية الصينية بالتنوع والشمولية، وامتدت لتشمل التعاون في مجالات عديدة من بينها الطاقة، والبنية الأساسية، والتكنولوجيا، والسياحة، والثقافة.
ووضّح أن هناك عددًا من المحاور الأساسية التي يمكن أن تسهم في تعزيز مستقبل العلاقات العُمانية الصينية منها التعاون الاقتصادي، والتبادل الثقافي والعلمي، والتعاون في مجالات الطاقة والبيئة، وتعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار، والسياحة والتجارة الإلكترونية، والأمن الغذائي، والصحة.
ويناقش الملتقى ثلاثة محاور رئيسة، الأول بعنوان "جسـور جديدة لتعزيز الروابـط الثنائية"، ويستعرض الثاني "العلاقات العُمانية الصينية والتعاون متعدد الأبعاد"، فيما يتناول المحور الثالث "استشراف مستقبل التقارب بين عُمان والصين".
كما تضمن الملتقى عرض تجربتين تمثل نموذجين للعلاقات المتبادلة بين سلطنة عُمان والصين، الأولى قدمها الدكتور فارح بن عامر الحمر، خريج الطب العام من جامعة بكين، والحاصل على ماجستير طب العيون من جامعة داليان الطبية، مساعد استشاري في عمليات قسطرة القلب بمستشفى السلطان قابوس مركز طب وجراحة القلب بصلالة، فيما قدمت التجربة الثانية تميمية سعيد بيت سعيد استعرضت خلالها تجربتها الطلابية في جمهورية الصين الشعبية.
/ العُمانية /
صالح دكفعلي