الأخبار

غدًا.. سلطنة عُمان تشارك دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية

غدًا.. سلطنة عُمان تشارك دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية

مسقط في 17 ديسمبر /العمانية/ تشارك سلطنة عُمان دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية غدًا الذي يصادف الـ 18 من ديسمبر من كل عام تحت شعار /اللغة العربية والتواصل الحضاري/.

ويُعتبر موضوعُ اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام بمثابة نداء للتأكيد مجددًا على الدور المهم الذي تؤدّيه اللغة العربية في مدّ جسور التواصل بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات الكثيرة جدًا.

والغاية من هذا الموضوع هي إبراز الدور التاريخي الذي تضطلع به اللغة العربية كأداة لاستحداث المعارف وتناقلها، فضلًا عن كونها وسيلة للارتقاء بالحوار وإرساء أسس السلام وكانت على مرّ القرون الركيزة المشتركة وحلقة الوصل التي تجسّد ثراء الوجود الإنساني وتتيح الانتفاع بالعديد من الموارد.

ويكتسي موضوع هذا العام أهميّة بالغة في كنف المجتمعات التي تتعاظم فيها العولمة والرقمنة والتعددية اللغوية، إذ يُسلّم بالطبيعة المتغيّرة للعالم والحاجة الماسة لتعزيز الحوار بين الأمم والشعوب.

وأبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.

وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات ويزخر تاريخها بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت حافزًا إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة.

وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي منها التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها الإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

ووضحت أمانة اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم في كلمة لها بهذه المناسبة أن اللغة تُعد وسيلة للتفاهم والتواصل بين الشعوب، وأداة حاملة للثقافة والحضارة وكنوز المعرفة الأخرى العابرة للحدود، واللغة العربية إحدى أهم اللغات العالمية والأكثر انتشارًا، ويتحدث بها ويدرسها قرابة نصف مليار نسمة في أنحاء جغرافية مختلفة ومن اللغات العالمية الست التي تعترف بها الأمم المتحدة، باعتبارها وعاء الحضارة الإسلامية المشرقة؛ إذ كانت لغة العلم والثقافة والفكر، ولغة السياسة والأدب والاقتصاد.

وأكدت أن تأثير اللغة العربية الحضاري كان واضحا في مختلف لغات العالم الأخرى وثقافاتها، وبلغت من الانتشار نطاقًا واسعًا؛ فكُتِب بحروفها لغات إفريقية كثيرة وبعض لغات القارة الهندية، وبلاد فارس وعالم الترك، ووصلت إلى الملايو والفلبين وغيرها، كما كانت حاضرة في لغات القوقاز والبلقان وفي انحاء من قارة أوروبا.

وأشارت إلى أن لهذا الثراء الحضاري والتواصل العالمي للغة العربية دورًا محوريًّا في تعزيز قيم التعاون والتعارف والتفاهم بين شعوب الأرض، وتواصل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /اليونسكو/ دورها المهم في الاحتفاء باللغة العربية باعتماد يوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام يومًا عالميًا للغة العربية يحمل عنوانًا متجددًا في كل عام لأجل الاحتفاء بها وبمنجزها المعرفي المهم والضارب في صميم الحضارة البشرية حيث كانت وسيطًا لنقل العلوم والمعارف إلى العرب ممن سبقهم من الحضارات، ثم واصلت رسالتها لنقل تلك العلوم مع ما أبدعه العقل العربي إلى أوروبا وغيرها من الأمم.

وقالت اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم إن من أبرز الأهداف المرسومة للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يتمثل في تعميق المعرفة بإسهامات هذه اللغة الخالدة في ربط جوانب الحضارة البشرية والتأثير في ثقافات الأمم والشعوب المختلفة والتأثر بها غير أن تأثير اللغة العربية بدا جليًّا في كثير من لغات العالم وعلومه أكثر من تأثرها بغيرها.

وفي هذا السياق تحدث عدد من الأكاديميين والمختصين في تصريحات لوكالة الأنباء العمانية عن أهمية الاحتفاء باللغة العربية للدور المهم الذي تؤدّيه في مدّ جسور التواصل بين الناس على صهوة الثقافة والعلم والأدب وغيرها من المجالات.

وقال الدكتور زاهر بن بدر الغسيني من قسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة السلطان قابوس ومُتخصص في التفاعل الثقافي والعالم العربي الإسلامي إنَّ الاحتفال بيوم اللغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام يُمثل دلالةً واضحة على قيمة هذه اللغة التي استوعبت جميع الحضارات والثقافات، ومؤشرًا بَيْنًا على الإسهام المعرفي والفكري الفاعل للغة العربية بين لغات العالم المختلفة.

وأضاف أن اختيار هذا العام موضوع /اللغة العربية والتواصل الحضاري/ للاحتفال بيوم اللغة العربية يأتي في محاولة من الأمم المتحدة إلى لفت انتباه العالم إلى الحضارة العربية المرتبطة بلغتها، ومؤشرٌ واضحٌ على الدور الكبير الذي تقوم به في عملية البناء الحضاري، ومدِّ جسر التواصل بين الأمم والشعوب، باعتبار اللغة عاملًا رئيسًا للتواصل والالتقاء بين الحضارات، إذ لا يُمكن لأي لغةٍ أن تبقى بمنأى عن التفاعل مع اللغات الأخرى، خاصة في خِضَم الثورة المعرفية والتكنولوجية؛ التي غيَّرتْ منظومة العالم؛ حين حصرَته في قريةٍ صغيرة، فأصبح تعزيز الحوار بين الحضارات وثقافاتها مطلبًا أساسًا، وضرورة مُلحة.

ووضح أنه رغم قيمة العربية ومكانتها بين لغات العالم، إلا أنها في مرحلةٍ تواجه فيها معوقات وتحديات، تُثبط مواكبتها للتطورات العلمية والثقافية، ومسايرة المُتغيرات التكنولوجية، وأبرزها: إشكال توحيد المصطلح واختلاف الرؤى حوله، وصعوبة توظيف الرقمنة الحديثة، وضعف النتاج البحثي العلمي، وشيوع اللهجات التي أصبحت تُسيطر على قنوات التواصل الاجتماعي، وضعف النتاج الترجمي لعلوم اللغات الأخرى ومعارفها، التي أثَرَتْ بشكل واضح في عملية المثاقفة بين اللغة العربية واللغات الأخرى، وإن سلَّمنا بحقيقة أنه لا غنى للأمم عن التأثير والتأثر، إن أرادت أنْ تتعايش وتتآلف.

وذكر الدكتور زاهر بن بدر الغسيني أن المسؤولية تقع على عاتق أصحاب القرار في رَسْم سياساتٍ واضحة للنهوض باللغة العربية في زمن العولمة والانفتاح المعرفي على اللغات والثقافات الأخرى، والاستفادة من النهضة المعرفية والتكنولوجية في الحفاظ على الهُوية اللغوية والثقافية، وتعزيز مكانتها بين ثقافات العالم ولغاته المختلفة.

وقال الدكتور خالد بن سليمان الكندي أستاذ مشارك بجامعة السلطان قابوس إن نزول القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وانتشار الإسلام قديمًا في رقعة كبيرة من العالم القديم، وبقاء أغلب التراث المعرفي الإسلامي عبر القرون الطويلة مكتوبًا بلغة العرب، ثم عدم جواز أداء العبادات اللفظية بغير العربية، كل هذه العوامل أسهمت في اعتبار العربية وسيلة للتواصل الحضاري بين المسلمين، وسببًا للتقرب إلى الله عبر قراءة القرآن وتأمُّل معانيه، واكتسابِ العلوم الشرعية بقراءة مصادرها العربية الأصيلة.

وأضاف أن العربية اضطلعت في مراحلها التاريخية بتعريب أسماء الأجناس (المصنوعات والمخلوقات) الأجنبية عبر ملاحظة وظائفها، مثل ملاحظة أن "drill" وظيفته الثقب، ثم اختيار أحد أوزان الآلة (مِثْقاب، مِثْقَب، مِثْقَبة، ثَقّابة)، وفي حال عدم وجود مرادف دقيق لمخترَع جديد مثل " Bluetooth " فإن تعريبه بإدخاله على وزن عربي مثل البِلْتاث (على وزن فِعْلال) يُمكِّن من اشتقاق أفعال له وأسماء مشتقة مثل: بَلْتَثَ، مُبَلْتِثٌ، بَلْتَثة، فالتعريب أفضل من الترجمة؛ لأن الترجمة تعني إدخال اللفظ الأجنبي إلى العربية على صيغة لا نظير لها في لغة العرب.

وأما سائر أنواع الكلمة الأجنبية مثل الظروف والمصادر وأسماء الاستفهام والضمائر فلا يجوز إدخالها إلى لغة العرب، ونستثني الأعلام (أسماء الأشخاص والمدن والمؤسسات)؛ لأنها تُنْقَل بالحكاية كما نطقها أهلها.

وأكد أنه على صعيد العلوم التطبيقية ظلت أوروبا في عصور ظلامها تستقي المعارف الدنيوية من الحضارة العربية الإسلامية، ولم يكن لها لتنقل هذه العلوم إلا عبر تعلُّم العربية، واجتهدت مجامع اللغة العربية في إحياء المصطلحات العربية الواردة في علوم التراث العربي الإسلامي، والاستعانة بها في تعريب العلوم الحديثة؛ لتبقى اللغة العربية وعاء حاضنًا للمعارف، يتواصل به العرب فيما بينهم مبتعدين عن الاعتزاز بلغة غير لغتهم.

وأشار إلى أنه من الجوانب الحضارية للغة العربية أنها لغة عالمية، تهتم بها كثير من الجامعات في العالم، وتخصص لها قسمًا مستقلًّا في كليات اللغات وكليات الدراسات الاستشراقية، وتُعَدّ لغة أولى للدول العربية، ولغة ثانية للدول الإسلامية وبعض الدول غير المسلمة مثل كوريا الجنوبية.

من جانبه قال الدكتور أحمد يوسف أكاديميّ جزائريّ بجامعة السلطان قابوس إنه لا يكاد يختلف اثنان على أنّ تراث اللغة العربيّة من الغنى الفكريّ والثقافيّ والمجد الحضاريّ والعطاء العلميّ والثراء الأدبيّ لا ينكره إلّا جاحد، ولا غرو أن يكون هذا التراث غني بالقيم الإنسانيّة السمحاء، وبمبدأ "كلّكم لآدم، وآدم من تراب"، ومبدأ "لا إكراه في الدين" ومن آيات ذلك أنّ علماءها كان من العرب وغير العرب، فأبدعوا في علومها وآدابها.

وأضاف أنّ العربيّة من اللغات البشريّة القديمة النادرة التي ما زالت حيّة، وتحتفظ بقدرتها على التواصل في مجالات الحياة جميعها وليس غريبا أن يكون لها يوم عالميّ يُحتفى بها في الثامن عشر من شهر ديسمبر كلّ عام من قِبل منظّمة اليونسكو العالميّة.

وأشار إلى أن العربيّة لم تكن فقط مثل بقية لغات العالم تضطلع بوظيفة التواصل بين أهلها؛ وإنْ كانت هذه الوظيفة يعدّها علماء اللغة شرطًا لازمًا من شروط اللغة، بل تجاوزتها لأن تكون لغة التواصل الحضاريّ والحوار والتفاهم قبل الإسلام وبعد ظهور الدعوة الإسلاميّة إلى يوم النّاس، وما زالت تضطلع بها الدور الذي هو من مسؤوليّة من يتكلّمها.

وذكر أن اللغة العربية ازدانت عبر تاريخها الطويل بأن شرّفها الله تعالى لأن تكون لغة الوحي والقرآن الكريم، فبلغت مرتبة الشرف العليا عندما صار يتلو بها المسلمون من العرب والعجم القرآن الكريم في صلواتهم وعباداتهم، فأقبل المسلمون من غير العرب على تعلّمها.

وقال الدكتور أحمد يوسف إنّ العربيّة تحيا بمتكلميها الذين لا تنقصهم المعرفة والعلم والرصيد الحضاريّ؛ ولكنّهم يحتاجون إلى الإيمان الراسخ بقدرة العربيّة على أن تكون لغة علم وحضارة، ويتسلّحون بالإرادة السياسيّة الصادقة لنجعلها في مصاف اللغات العالميّة حتى تصبح قبلة كما كانت للعلماء والباحثين وطلّاب المعرفة من كلّ أصقاع العالم، فيعود مجدها كما كان في تالد عصرها.

ويُشير الشّاعر يونس البوسعيدي إلى تسلطن لغة الضّاد كونها أكثر اللغات قابلية لاستيعاب شقيقاتها من بنات الألسن، استيعابًا لغويًّا ووجدانيًّا وخياليًّا، وكأنّها الفضاء الذي لا يضيق بما يستطيع التحليق إليه وفيه.

ولفت إلى أن الترجمة أرفّ الأجنحة التي التمعت في سماوات الضاد، وشهد التاريخ أن اللغة قبلت واستقبلت من مشارب الترجمة الكثير، بدءا من المصطلحات التي حورتها من لفظ جامد للفظ قابل للاشتقاق ثم متفرع المعاني، فمتموسق الوجدان.

وقال البوسعيدي إن الترجمة الأولى كانت بدءًا من احتكاك العربي المترحل بشقيقه الإنسان المتمدن، فأخذه تلك المناظر وجعلها وصفًا بصريا في شِعره وخُطبه، ثم ترجمته لكتب الإغريق واليونان في الدولتين العباسية واليونانية، وهو الأمر الذي فتح البصائر الغربية طويلا على ثقافة الآخر.

وأضاف أن اللغة والترجمة هما القنطرة بين الثقافتين والتنقلات الزمنية المتباعدة التي تقاربت، ثم جرت تحت تلك القنطرة مياه عكسية حيية، حيث نقل الآخرون آداب العرب، كما نقل العربُ أدبهم لهم، خصوصا الفرس والروم، مع تقارب الجغرافيا بين بغداد والأندلس وما سواها من الثغور ومع توسع رقعة الإسلام.

وذكر أن تلك اللغة وهي ترمومتر قوة الأمّة، حين تكون هي العضلة العلمية لرفعتها، تيبّست سواقيها، وجمد عقل بنيها حين لم تشرئب أعناقهم لمعرفة ما عند الآخر، وحين لم يتطاولوا أمام الآخر ليقولوا له ها نحن بحضارتنا العلمية والأدبية والفلسفية التي كنتم ترجمتموها.

/العمانية/

ع م ر / خ م ي س

أخبار ذات صلة ..