مسقط في 10 نوفمبر /العُمانية/ تبذلُ سلطنة عُمان جهودًا متواصلةً لتحويل التعليم العالي إلى نموذج يُحتذى به في الاستدامة البيئية مع التركيز على تقليل الانبعاثات عبر فكرة "الحرم الجامعي الأخضر المستدام"؛ لتعزيز مفهوم الاستدامة في مؤسسات التعليم العالي عبر إيجاد بيئة تعليمية تُركز على الابتكار والحفاظ على الموارد.
وقالت الدكتورة مريم بنت بلعرب النبهانية المديرة العامة للجامعات والكليات الخاصة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار: إنّ فكرة "الحرم الجامعي الأخضر المستدام" انبثقت من التوجيهات السّامية للوصول إلى الحياد الصفري بحلول العام 2050م، ويُعدُّ مشروعًا وطنيًّا يتطلب مشاركة وإسهام جميع الأطراف لتحقيق استراتيجية مبانٍ خضراء وصديقة للبيئة.
وأضافت: إنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار تسعى إلى الإسهام في الوصول إلى الحياد الصفري قبل حلول عام 2050، والاهتمام بكل ما يحقق الحياد الصفري والبيئة النظيفة والطاقة المتجددة والمناخ، وتوجيه مؤسسات التعليم العالي للتحول إلى جامعات وكليات خضراء وذكية عبر تقليل الانبعاثات وتدوير النفايات وتحويلها إلى وقود حيوي واستخدام أدوات قليلة الاستهلاك للكهرباء، وإيجاد نظام بيئي متكامل وتحقيق الاستدامة.
وفي هذا الصدد، أكدت النبهانية أنّ الوزارة عملت على حثّ مؤسسات التعليم العالي لتعزيز مبادرات المباني الخضراء وزيادة المساحات الخضراء واستخدام التكنولوجيا الرقمية، وإدارة النفايات، وقد بدأت مؤسسات التعليم العالي في وضع خطط تنفيذية مع شركات القطاع الخاص للنظر في إمكانية المساهمة بهذا التوجيه، كما عقدت الوزارة عدة اجتماعات مع شركات من القطاع الخاص لبحث سبل التعاون لتحويل مباني التعليم العالي إلى مبانٍ ذكية خضراء ودعم المناشط والفعاليات الطلابية المتعلقة بالمستهدفات.
وأفادت بأنّ الوزارة شكّلت فريقًا مع مؤسسات التعليم العالي الخاصة وهيئة البيئة من أجل إيجاد استراتيجية ترسم الخطوات والمبادرات التي يمكن أن تقوم بها مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات والهيئات المساندة لها لتحويل مبانيها إلى مبان خضراء ذكية ومستدامة، وقد أبدت العديد من الجهات الحكومية والخاصة التعاون وتقديم الدعم لتحويل مباني مؤسسات التعليم العالي إلى مبان خضراء.
ولفتت إلى أنّ الوزارة عملت على تعريف مؤسسات التعليم العالي بمؤسسات التمويل، مثل: صندوق المناخ الأخضر، وهي منظمة عالمية تقوم بتمويل مشاريع التحول إلى الطاقة المتجددة وصولًا إلى الحياد الصفري، كما تستعد الوزارة حاليًا على التحضير لعقد دورة حول التحول إلى حرم جامعي ذكي وأخضر مستدام؛ حرصًا على تسريع عملية التحول إلى الطاقة البديلة المتجددة خلال 3-5 سنوات بحد أقصى، وربط مؤشرات أداء مؤسسات التعليم العالي في الوصول إلى الطاقة المتجددة بنسبة 90 بالمائة عبر التحول إلى مبان صفرية الانبعاثات الضارة.
وحول جهود الجامعة العربية المفتوحة في التحول إلى حرم جامعي ذكي أخضر ومستدام، أفاد الأستاذ الدكتور محمد بن حمدان البادي رئيس الجامعة العربية المفتوحة بأنّ الجامعة تعمل على مشروع إنشاء محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بهدف توفير مصادر طاقة متجددة ومستدامة للجامعة، وسيسهم هذا المشروع في تقليل انبعاثات الكربون وتعزيز الاستدامة البيئية، والذي يُعدُّ جزءًا أساسيًا من خطط الجامعة لتعزيز الاستدامة البيئية.
وأشار إلى أنه من المخطط أن تكون القدرة الإجمالية للمشروع 1.1 ميجاواط من الألواح الشمسية حيث من المتوقع أن ينتج المشروع أكثر من 1.8 مليون كيلوواط/ ساعة من الكهرباء النظيفة سنويًّا لاستخدامها في مباني الجامعة.
وذكر أنّ المشروع سيسهم في الخطة الوطنية للحياد الصفري ومستهدفات رؤية "عُمان 2040" وأهداف التنمية المستدامة وسيمكّن المشروع من تجنب 720 طنًّا من الانبعاثات الكربونية سنويًّا، أو ما يعادل 18,000 طن على مدى 25 عامًا، وتخطط الجامعة لتركيب محطات متخصصة لشحن السيارات الكهربائية.
وبيّن أنّ ممكنات التحول إلى حرم جامعي ذكي أخضر ومستدام يتطلب تنفيذ مجموعة من المبادرات والاستراتيجيات التي تدمج بين استخدام التكنولوجيا الحديثة ومراعاة الاستدامة البيئية، من بينها السياسات المؤسسية والخطط الاستراتيجية والتي تُعدُّ مؤشرًا أساسيًّا على التزام ودعم قيادة المؤسسات للتوجه إلى حرم جامعي ذكي أخضر ومستدام.
وقال الدكتور راشد بن سعيد العبري عميد كلية الهندسة والعمارة بجامعة نزوى: إنّ مبنى الجامعة يُعدُّ من المباني الخضراء والنظيفة والذكية، فالمبنى مستقبلًا سيُقلل من الانبعاثات الكربونية ليصل إلى صافي "صفر" انبعاثات كربونية، ومجهز بالطاقة الشمسية، والذي يُساعد مستقبلًا على إدخال الألواح الشمسية في المبنى بكل سهولة.
ووضّح أنّ المبنى يحتوي على عملية عزل حراري كامل بثلاث طبقات عازلة إضافة إلى أن نوافذه مصممة بثلاث طبقات ومعزولة بمادة للتقليل من نفاذية الحرارة من المحيط الخارجي إلى داخل المبنى؛ ما يساعد على رفع كفاءة المبنى، كما سيتمُّ تشجير المساحة المحيطة بالمبنى بالكامل ليكون محاطًا بالمساحة الخضراء بهدف تقليل انعكاس الحرارة إلى المبنى الداخلي.
من جانبه أشار الدكتور صالح الشعيبي عميد كلية الشرق الأوسط إلى أنّ برنامج الاستدامة التابع لكلية الشرق الأوسط يتوافق بشكل مباشر مع رؤية عُمان 2040، وتحديدًا أولوية "البيئة والموارد الطبيعية"، وتسترشد جهود الاستدامة لدى الكلية بمؤشر الأداء الرئيسي المؤسسي (KPI) الخاص بـ "الاستدامة البيئية"، والذي يتضمن مؤشرات الأداء الرئيسة الفرعية التي تركز على: شهادة الاستدامة للمباني، وعمليات بناء وصيانة فعالة من حيث التكلفة للمباني، والطاقة النظيفة والمتجددة، ودعم أبحاث الاستدامة.
وأضاف أنّ الكلية نفّذت "برنامج الحرم الجامعي الأخضر والمستدام" الشامل في جميع أنحاء الحرم الجامعي، من خلال عدد من المبادرات الرئيسية التي تم تنفيذها في المرحلة الأولى من البرنامج، ومنها مبادرة تحسين المناظر الطبيعية، كما يجري حاليًّا وضع خطط لتعزيز جهود الاستدامة.
ومن جهة أخرى، تنظر الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا إلى التقنيات الخضراء الصديقة للبيئة أنها حجر الزاوية لمستقبل تحفُّه الاستدامة؛ فتلتزم الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا بالجوانب البيئية والطاقة النظيفة وقضاياها؛ وذلك من خلال مناهجها الدراسية وعملياتها التشغيلية ورسالتها العامة المتسقة بشكل وثيق مع مبادئ التنمية المستدامة.
ويؤكد إدراج الجامعة في تصنيف ”يو آي جرين ميتريك“ العالمي للاستدامة للجامعات لعام 2022 على التزام الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا بالاستدامة والرعاية البيئية، ويعكس تقدمها الكبير في ممارسات ومبادرات الاستدامة.
كما تسعى الجامعة إلى الارتقاء بحرمها الجامعي المستدام من خلال تعزيز مشاركة الموارد والنهوض بالبحوث التعاونية التي تركز على الحدّ من البصمة الكربونية عبر دمج العمليات التشغيلية في مختلف الأقسام وتحسين الكفاءة الإجمالية، لتحسين استهلاك الطاقة وتقليل النفايات، كما تشجع المبادرات المشتركة والبحوث متعددة التخصُّصات على تبسيط إدارة الموارد، وإيجاد الحلول المبتكرة لتحديات الاستدامة، وسيسهم هذا النهج المتكامل بشكل كبير في تحقيق هدفها المتمثل في إنشاء حرم جامعي أكثر اخضرارًا وكفاءة مع تعزيز الالتزام بالرعاية البيئية.
وتُعدُّ الجامعة الألمانية للتكنولوجيا من النماذج الرائدة للحرم الجامعي الأخضر الذكي المستدام في سلطنة عُمان حيث تتبنّى الجامعة العديد من المبادئ والتقنيات التي تعزز الاستدامة البيئية والتكنولوجيات الذكية، أهمها: التصميم المستدام للحرم الجامعي، حيث تمّ تصميم المباني بالجامعة الألمانية وفق متطلبات وقواعد الاستدامة بحيث يستفيد الحرم الجامعي بشكل وتصميم يضمن الاستفادة القصوى من الإضاءة الطبيعية؛ ما يقلل من تأثيرات أشعة الشمس المباشرة والحاجة للإضاءة الاصطناعية.
وتطبق الجامعة أيضًا استراتيجيات في إدارة ومعالجة المياه لاستخدامها في الري وصيانة المساحات الخضراء، حيث لدى الجامعة أنظمة متطورة لمعالجة المياه، ويتم استخدام تقنيات حديثة لتنقية المياه وإعادة تدويرها، فقد أثبتت التحاليل البيولوجية والكيماوية على قدرة التقنيات المعتمدة على إنتاج مياه نقية ذات جودة عالية صالحة للري تتمثل في مواصفات الجودة وتتوافق مع المعايير العُمانية في معالجة المياه.
وتعتمد الجامعة الألمانية للتكنولوجيا على مصادر الطاقة المتجددة وبالأساس على أنظمة الطاقة الشمسية حيث تحتوي الأسطح والمناطق المفتوحة على خلايا شمسية تولِّد الطاقة اللازمة لتشغيل المرافق بصفة جزئية؛ ما يقلل من الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة حيث وقّعت اتفاقية لإنشاء محطة طاقة شمسية متطورة بقدرة 2.2 ميجاوات.
وتهدف هذه الشراكة الاستراتيجية إلى إنشاء منشأة طاقة شمسية متطورة من شأنها أن تولد أكثر من 3.8 مليون كيلوواط ساعة من الكهرباء المستدامة سنويًّا، ومن المتوقع أن يسهم في تشغيل محطة الطاقة الشمسية بشكل كبير في الحفاظ على البيئة، وتجنب 1,675 طنًّا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًّا وخفض تراكمي قدره 41,878 طنًّا من ثاني أكسيد الكربون على مدار 25 عامًا.
وتسعى الجامعة إلى تعزيز البحث والتطوير في مجال الاستدامة والتقنيات الخضراء؛ ما يُعزِّز من مهارات الطلبة ويعدهم لمستقبل مستدام حيث تمّ تصميم البيت الصديق للبيئة في الحرم الجامعي كمشروع بحثي أسهمت به الجامعة في مسابقة وطنية الذي فازت بالمركز الثاني في المسابقة وبالمركز الأول في خمس مجالات وهي: التصميم المفاهيمي وتطوير التصميم، والهندسة المعمارية، والاتصالات، ومنطقة الراحة وتوازن الطاقة.
ويمثّل مركز عُمان للهيدروجين مبنى مطبوعًا بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بالجامعة من بين مشروعات الجامعة في جانب الاستدامة البيئية حيث تم تسجيل هذا المبنى كرقم قياسي عالمي؛ لكونه أكبر مبنى مطبوعًا بتقنية ثلاثي الأبعاد في العالم باستخدام الخرسانة الحقيقية، وتتميز هذه التقنية بقدرتها على سرعة البناء وتوفير الوقت وتقليل الحاجة إلى المواد الأولية للإسهام في تقليص نفايات البناء كما تساعد تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في تقليل كمية المواد المستعملة، حيث يتمُّ استخدام الكمية الدقيقة اللازمة فقط للبناء.
وتُعَدُّ تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع البناء من التقنيات الذكية نظرًا لأنها تقدم حلولًا مبتكرة وفعّالة في تصميم وبناء الهياكل.
وتُسهم هذه التقنيات في تحسين الكفاءة العملية وتوفير الوقت والتكاليف، ويهدف المركز إلى أن يكون محورًا رئيسًا في تطوير المهارات والمعرفة اللازمة لدعم توجه سلطنة عُمان نحو اعتماد وتبني الطاقة الخضراء، مثل الهيدروجين وتسعى رؤية مركز عُمان للهيدروجين إلى تعزيز صناعة الطاقة النظيفة وتقنيات الطاقة الشمسية
/العُمانية/
ياسر البلوشي