عمّان، في 16 مايو/العُمانية/ تتجه الروائية الأردنية سميحة خريس في عملها الملحميّ "يحيى"، نحو التوثيق لشخصيةٍ تاريخية واقعية تنتمي لبلدة الكرك الواقعة جنوب الأردن.
فقد برزت هذه الشخصية خلال الحكم العُثماني للمنطقة، وقبل ما يقارب أربعة قرون (القرن السادس عشر)، حيث درس "يحيى بن عيسى الكركي" في الأزهر وفي الجامع الأموي متخصّصًا في الفقه الإسلامي، ثم أصبح له مريدوه، وبدأت آراؤه في الدين والسياسة تنتشر بين الناس، وهو الأمر الذي لم يرُق للسلطات آنذاك فاتهمته بالجنون وحكمت عليه بالإعدام.
ورغم أن الرواية التي صدرت طبعتها الثانية عن "الآن ناشررون وموزعون" بلوحةٍ على الغلاف للفنانة رنا حتاملة، استندت للواقع التاريخي، إلا أن خريس سرّبت إليها عددًا من الأحداث المتخيلة لبثّ الحيوية في مفاصل السرد، فضلًا عن تقديم رسالتها الرافضة للانغلاق والتعصب والتي تنتصر لحرية الإنسان وفكره.
وتقول خريس عن هذه التجربة، إنها عادت إلى التاريخ كي تطرح "أسئلة أساسية ومباشرة في قضية قديمة حديثة"، هي قضية الحرية، وكي تكشف عن الثمن الفادح الذي يدفعه الفكر المستنير والمختلف والقادر على نبش السؤال.
وتضيف أن الموقف ضد الظلم عمومًا هو ما تتبناه الرواية، وبالتالي فإن "يحيى" لا تمثل تخندقًا ضد فئة سياسية أو دينية بعينها، وإنما تُنبّه إلى خطورة البؤر التي تسمح بطغيان الظلم، وهو ما يتكرر بصور مختلفة على قاعدة "التاريخ يعيد نفسه". ولعل ذلك ما دفع الروائية للنبش في التاريخ وتقديم شخصية من شخصياته التي ناضلت واجتهدت وحاولت أن توقف عجلة التطرف والظلم ودفعت في النهاية حياتها ثمنًا لذلك.
وتبرع خريس في تأثيث نصها بمعطيات المرحلة التاريخية التي تدور الأحداث في إطارها، ويشمل ذلك الأسواق وإيقاع الحياة اليومية للناس وتجارتهم واهتماماتهم ولباسهم، ما جعل الرواية قادرةً على الارتحال بالقارئ ووضعه في ذلك العصر كما تفعل "آلة الزمن".
وتلقي الروائية الضوء على التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ذلك الزمن، تحاكي واقع حياة الإنسان في كل زمان إلى حد كبير، إذ ينتشر الفقر والجوع، وتثقل الضرائب كواهل الناس، ويفرض الإقطاعيون سلطتهم. في ظل هذه الظروف الصعبة يرسل "يحيى الكركي" رسالة إلى مفتي دمشق يسأله عما إذا كان جائزًا الدعوة للسلطان مع وجود كل هذا الظلم والفساد والفقر والجوع، فيتم استدعاؤه إلى دمشق والتنكيل به وضربه ثم قطع رأسه ودفنه في مكان غير معلوم.
وتوضح خريس أنها مولعة بـ "الخفيّ من سيرة الأشياء"، وأن جزءًا أساسيًّا من إحساس القارئ بالمكان والزمان والشخوص هو في إيقاعات الأشياء المحيطة به، مشيرة إلى أن الكتابة على هذا النحو "سيرٌ خطِر على الحبال يستدعي أن تتوازن القدمان لتجنُّب السقوط".
/العُمانية/النشرة الثقافية /طلال المعمري