الأخبار

الخروج عن النص المسرحي كظاهرة فنية.. الدوافع والأسباب
الخروج عن النص المسرحي كظاهرة فنية.. الدوافع والأسباب

مسقط في 25 ديسمبر /العُمانية/ يتفق الكثيرون أن ظاهرة الخروج عن النص المسرحي كانت ولا تزال مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتمثيل الكوميدي، ويعود ذلك لخبرة الممثل وخفة الروح لديه وسرعة بديهته، وانتشرت كظاهرة بشكل كبير في العديد من المسارح العربية والعالمية، فالبعض يرى أن هذا الخروج ظاهرة غير مستحبة كون أن المسرح في طبيعته تعبير إنساني اجتماعي، ويراها البعض كسرا لقواعد المسرح والنص أيضا، كما أن البعض يفسر الخروج نظرا لدوافع نفسية بحتة.. هنا يأتي التساؤل عن ذلك الخروج كظاهرة فنية وما هي الدوافع النفسية المرتبطة بها.. وكيف يراها المختصون؟ وماذا عن نتائج هذا الخروج؟

يقول الدكتور والناقد المسرحي المصري محمود سعيد في شأن الارتجال بين الخروج عن النص والدخول فيه: إن الارتجال وتحليل الشخصية من الأساليب المشتقة من المنحى الخيالي في التمثيل، يستخدمان على نحو متسع في مدارس الدراما الحديثة، حتى لو أطلق عليه خروجا عن النص، خاصة وأن كلمة الارتجال في اللغات الأوروبية تشتق من كلمة لاتينية قديمة تعني ما لا نتوقعه أو نحسب حسابه، وفي عالم المسرح والتمثيل ارتبط الارتجال في البداية بالعروض الشعبية الكوميدية بعيدًا عن المؤسسات المسرحية الرسمية على عكس العروض الشعبية الجائلة فكان لها شأن آخر إذ أن طبيعتها الجوالة كانت تفرض عليها التفاعل مع بيئات وتجمعات سكانية مختلفة وتسعى إلى استثارة تعليقات الجمهور وضحكه، ورغم ذلك كان لهذه العروض قواعدها الضابطة، فالارتجال له مكانه الذي لا يتعداه، وطوله المحسوب، والممثل يلتزم فيه بالخط العام للعرض، لا يخرج عن مساره أو فكرته الرئيسة، أو عن الدور المنوط به، ولا يخل بأدوار زملائه.

ويضيف: بلغ فن الارتجال أوج ازدهاره في القرن السادس عشر في الكوميديا الشعبية الإيطالية، المعروفة باسم (كوميديا ديلارتي) ذات الشخصيات والحبكات النمطية الثابتة، لكن الارتجال المنظم المنضبط هذا لم يلبث أن تقلص دوره في المسرح حتى اختفى تمامًا حين ظهر الكتاب المسرحيون العظام مرة أخرى في القرن السابع عشر مثل شكسبير في إنجلترا وكورني وراسين وموليير في فرنسا، وعلى طول القرنين الثامن والتاسع عشر نجح المؤلفون في فرض سيطرتهم على الممثلين فتقلص الارتجال على خشبة المسرح "ولم يكتسب فن الارتجال شرعية واحترامًا حتى بداية القرن العشرين حين جعله المخرج الروسي الشهير ستانسلافسكي جزءًا رئيسًا في منهج تدريبات الممثل التي ابتدعها، وهكذا ازدهر الارتجال في معامل الممثلين وإن ظل بعيدًا تمامًا عن خشبة المسرح، إلى أن جاءت مرحلة أن نجح الممثلون في تحطيم سلطة المؤلف، وأدخلوا عنصر الارتجال مرة أخرى إلى عروضهم، بل إن عروضًا تقوم أساسًا على الارتجال ولا تعتمد على نص مسرحي مؤلف جاهز وفي ظل هذا ازدهرت قدرات الممثل على الإبداع والابتكار، ولم يعد مجرد مفسر ومترجم أو منفذ لنص مسرحي مكتوب.

ووضح أنه في مصر كان الارتجال عنصرًا أساسيًّا في العروض الكوميدية منذ البداية، وارتكز على فنون الردح والقافية معتمدًا على التراث المصري من النكت والدعابات، وعلى سرعة البديهة، وحضور الذهن الذي يميز أبناء البلد عادة، إلا أن فن الارتجال العربي وضع في أكثر من أزمة، إذ تجد الممثلين يبادرون إلى الارتجال، ويتنافسون دون التزام بحدود الموقف، مما يشتت المتفرج تمامًا، ويطيل العرض إطالة ممجوجة، أضف إلى ذلك أن بعض الممثلين يتوسمون في أنفسهم القدرة على ممارسة هذا الفن الرفيع رغم قلة تدريبهم أو موهبتهم، وعلى العكس نجد من يقوم بالارتجال خارج النص بعناية ومرونة تجعله يدخل إلى عمق النص بقوة محققا رسالة النص في أبهى صورها.

وفي السياق ذاته تضيف المخرجة البحرينية كلثوم أمين: كوني مسرحية ومخرجة أجد أن المخرج يجب أن يكون أمينا في اختياره للنص ولا يغير فيه لأنه جهد المؤلف ولكن في بعض الأحيان هناك رؤية المخرج تتغير بتغيير بعض الأمور في هذا النص بغرض الوصول إلى الهدف المرجو الذي لا يوفره النص، وهنا يجب على المخرج أن يستأذن المؤلف أولا، وقبل أن يغير أي شيء في النص هذا إذا كان المؤلف حيًّا وأن يتوخى الحذر في التغيير إذا كان المؤلف غير ذلك.

وتضيف: لكن هناك أمور تجعل الممثل يخرج عن النص والسبب الرئيس نفسيٌّ يعود إلى سيكولوجية الممثل ذاته قبل دخوله إلى المسرح بلحظات وساعة وقوفه على الخشبة، هل دواخله نظيفة وتركيزه على النص ومنطوقاته وعواطف وأفكار الشخصية التي يمثلها، هل للممثل مآرب أخرى من حيث تأويله النص، هل هناك أمور أخرى في لا وعيه؟

فيما يقول الفنان العُماني سعود الخنجري إن الخروج عن النص هو فعل لحظي وأعتبره شخصيًّا ليكون إحدى أدوات الممثل أو إمكاناته الفنية لأداء حي غير متفق عليه وفي الأغلب يكون وليد اللحظة.

ووضح: غالبا ما تكون أسباب ودوافع الممثل على خشبة المسرح باتخاذ القرار في اللحظة المناسبة كونه على اتصال مباشر مع الجمهور خلال العرض المسرحي ولديه الخبرة الكافية في اختيار التوقيت المناسب من خلال ردة فعل معينة أو لإبراز ظاهرة اجتماعية أو سلوك معين ولربما لزيادة جرعة الكوميديا من خلال العرض المسرحي أو ربما حتى لإنقاذ موقف في حالة قراءته الذاتية مثلا كهبوط مستوى العرض وعدم تفاعل الجمهور معه.

ويشير إلى أن هذه الظاهرة بمثابة سيف ذي حدين، حيث نرى من خلال النتائج المرجوة والتي تتضح جليا على ردة فعل الجمهور سواء بالضحك أو العبوس، فبعض الممثلين يوفقون في اختيار وانتهاز الفرصة المناسبة ومنهم من يفشل في ذلك، وأصبح يعتمد بصورة أكبر على الإضحاك دون هدف محدد.

ويوضح في سياق قوله: عرف العديد من نجوم وممثلي المسرح بهذه الظاهرة منهم النجم عادل إمام، ومحمد صبحي، وسعيد صالح ويونس شلبي وسمير غانم وسيد زيان وسهير البابلي ونجاح الموجي وغيرهم الكثير، أما بالنسبة للوقع النفسي للفنان، فحرفية الخروج عن النص تعتمد وبشكل كبير جدا على نفسية الممثل أثناء العرض وقابليته في اتخاذ القرار للحظة المناسبة، وخاصة في العروض الكوميدية، لذلك غالبا ما نرى الممثل المسرحي يعد العدة قبل الوقوف على خشبة المسرح للتهيئة النفسية.

فيما يقول الناقد المسرحي الجزائري لخضر منصوري أن الخروج عن النص المسرحي أثناء أداء الممثل العرض المسرحي يرتبط، كتقنية أو فعل مسرحي غير منتظر، ويسمى بالارتجال المسرحي، حيث يشخص الممثل أفعالًا حركية ولفظية غير منتظرة وغير مرسومة مسبقا في التشكيل الحركي للمخرج، وينساق الممثل داخل حرارة المشهد والوضعية الدرامية إلى التعبير عن مكنونات نفسية في أغلب الأحيان أثناء أداء شخصية الدور في علاقاتها مع الشخصيات الأخرى وبالحدث المسرحي.

وأضاف: تظهر أفعال خروج الممثل عن النص، أثناء العرض حقيقية بنسبة كبيرة، حينما يأتي الموقف المرتجل صادقا ونابعًا من الوضعية الدرامية ولا يمكن للمتلقي أن ينتبه لذلك خاصة في الحالات الدرامية الكوميدية، ويؤكد ذلك الباحث الفرنسي " باتريس بافي " في معجمه المسرحي أن: " هناك مستويات متعددة من الارتجال قد يكون ابتكار نص انطلاقا من مخطط معروف غاية في الدقة كما نجد ذلك عند ممثلي "الكوميديا ديللارتي" ولعل الاتفاق المسبق بين الممثلين والمخرج في أداء ارتجال بالحركة أو بالنص المنطوق أثناء العرض من الأساسات الضرورية حتى لا يربك الممثل المُرتجل من يكون معه أثناء المشهد.

ويشير: لعل تاريخ المسرح العربي يحفل بالكثير من المواقف المرتجلة، أثناء العرض وصنعت مجد بعض الممثلين في صناعة المشهد المرتجل، بالخروج عن النص في مواقف متعددة، ولعل أبرز ظاهرة شهدها المسرح الجزائري خاصة، حينما قام الممثل سيراط بومدين (صاحب أحسن أداء رجالي في أيام قرطاج المسرحية بتونس عام 1985) بالخروج عن النص في مسرحية " الأجواد" للراحل عبد القادر علولة، حيث يطلب المشاهدون طلب تكرار المشهد أثناء العرض مرات عديدة نظرًا لجمالية الارتجال، وكان لهذا الموقف المسرحي أثره البالغ في بروز شخصية الممثل في التحكم بمستويات الدور من جانبه الجسدي والصوتي.

ويفيد: يعتمد الإخراج المسرحي الحديث، على أشكال متعددة من الارتجال، الذي يسمح للممثل بإطلاق العنان لأدائه المسرحي داخل اللعبة المسرحية التي تعتمد بدورها على تكسير كل القوالب الجاهزة في إنتاج العرض المسرحي الحديث، من رفض للنص التقليدي وتحرير كل قدرات الإبداعية العفوية للممثل ومنها تحرير الجسد المسرحي.

بالنسبة لتصوري الشخصي، أرى أن الخروج عن النص من أصعب المهام لدى الممثل خاصة حينما يود التأكيد على ما وراء سطور نص المؤلف، لذلك أرى من الضروري صياغته وصناعته أثناء التدريبات حتى يبدو حقيقيا أمام المشاهدين خلال العرض.

وذهبت الناقدة المسرحية العُمانية جليلة بنت سيف الفهدية إلى الحديث عن أسباب ودوافع الممثل للخروج عن النص المسرحي وأشارت إلى أنه غالبا ما تكون أسبابا نفسية يريد من خلالها الممثل التنفيس أو الإضحاك أو لحالة نفسية مر بها الممثل في حياته سواء أسرية أو حالة اقتصادية ومادية صعبة فأراد الممثل خلالها التعبير عنها إما بطريقة تراجيدية أو كوميدية.

وأضافت: أن المسرح في بداية نشأته اعتمد على قدرة الممثل على الارتجال في مواقف معـينة، كما يحدث في المشاهد الكوميدية وعروض الميلودراما والبانتومايم، وقد استخدم المخرج والممثل الروسي وأحد مؤسسي المسرح الحديث "قسطنطين ستانسلافسكي" الارتجال، أثناء البروفات مع الممثلين، لمساعدتهم على فهم دوافع الشخصية وطبيعتها وخلفيتها، وحذا حذوه كثير من الممثلين والمخرجين، حتى أصبح الارتجال عنصرًا أساسيًّا في تدريب أي ممثل وهو ما يعرف بسيمائية المشاهد.

وتشير إلى أن الارتجال هو إنجاز عفوي مباشر لفكرة فنية من غير تصميم أو تدوين سابقين، وارتبط الارتجال في الأساس بالمسرح، حين كان الممثل يخرج عن النص ليرتجل نصًا غير مكتوب، يبين فيه مهاراته التمثيلية ليقدم موعظة أو خطبة.

وتؤكد في سياق حديثها أن الخروج عن النص الحواري المكتوب لا يمثل إهانة للنص بقدر ما هو تفاعل أراه مهمًا لأن المسرح فن تفاعلي بشرط ألا يكون مؤذيًا لمشاعر الجماهير، كما أن الخروج عن النص حقق نجاحا كبيرا وأصبح له جمهوره لأن أغلب المشاهدين يحضرون لمشاهدة العروض المسرحية المقدمة للترفيه لا لأخذ العبر والنصائح، لأن الممثل يتحدث عن واقع حقيقي وموجود في كل بلد من البلدان سواء العربية أو الأجنبية، لذا نحتاج إلى مثل هذا النوع من الارتجال الذي يعبر عن مشاعر الممثل ذات نفسه ولكن لا بد أن يكون بعيدا عن الإسفاف أو الاستهزاء بالجمهور المشاهد والتعرض له بكلمة تؤذيه أو تؤذي مشاعره.

/العُمانية/النشرة الثقافية/ خميس الصلتي