الأخبار

"شمعة الميلاد" لسعيد الدرمكي.. التعبير عن الواقع بالأحداث اللاواقعية

مسقط في 26 ديسمبر /العُمانية/ تقارب مجموعة "شمعة الميلاد" للقاص العُماني الدكتور سعيد الدرمكي، أجواء الفانتازيا والغرائبية، ويتجلى ذلك التقارب عبر مفاصل القصص، سواء في أبعادها الخطابية والدلالية واللغوية أو في موضوعاتها النوعية التي تشيد واقعًا حكائيًّا مبنيًّا على الرمز المكثف والبلاغة التي تنفتح على التخييل، حيث يجد القارئ نفسه متفاعلًا مع الأحداث اللاواقعية وكأنما هي التعبير الأصدق عن الواقع.

وفي هذا المعمار السردي، تحضر تقنيات الاسترجاعات والاستباقات الزمنية، والرمز الذي يؤشر على دلالةٍ متعارَف عليها، والأحلام والكوابيس التي تنزاح بالقصة نحو تخوم عوالم نفسية شديدة التعقيد.

نجد ذلك على سبيل المثال في قصة "القرية الظالمة" التي يناقش فيها الكاتب الكيفية التي يمكن للخرافة فيها أن تشكل وعيًا مجتمعيًّا يوسَم بالرجعية، ويحضر في القصة رمز شجرة "الغافة" التي يتبرك بها الناس بينما يراها بطل القصة "شجرة إبليس".

وحين يقرر البطل إقناع الناس بضرورة قطع الشجرة يثورون في وجهه معارضين ذلك، ثم يرى البطل كابوسًا يعبّر عن صدى المخاوف التي تنخر العقل الإنساني: "رأيت أقدارًا تغلي لا يملؤها إلا الماء، فربما كنت أنا تلك الأضحية المرتقبة. رأيت صورة أمي على فراشها ترتدي الملابس نفسها التي ودّعت بها هذا العالم المحموم".

ونقرأ في مقطع آخر: "أخذتني غفوة لم أعرف مقدارها إلا بعد أن هوت نجمة اخترقت فضاءات المكان، أضاءت فاحترقت. ظللتُ واجمًا: ماذا! هل تعود المعجزات؟ المكان يلتهب.. نجمات تعقبها نجمات.. ذرعت المكان طولًا وعرضًا علّي أجد مخرجًا انسلّ عبره، ولكن بدون جدوى".

وتحضر القرية العُمانية بطلةً في العديد من قصص المجموعة الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن، والكاتب يقارب هنا أجواءها وحياة ساكنيها وما يتشكل من رؤى وأفكار داخل هذه الحاضنة التي تبدو في النصوص مكانًا مشبعًا بالأساطير التي يتغذى عليها الناس، حتى الوقائع التي تحدث فيها تتحول إلى أسطورة بعد أن يتم تداولها، حيث تُضاف إليها أبعاد تنهل من معتقداتهم التي بُني الكثير منها على الخرافة.

وهيمنت أحداث الماضي على السرد، سواء في الزمن البعيد أو القريب، وجاءت في إطار من التجريب القصصي الذي تمظهرَ عبر تقنيات استطاعت أن تطلق الماضي وتجعله ممتدًا للحاضر والمستقبل، فالكاتب حين يتناول أحداثًا مضت بكل ما تنطوي عليه من غرائبية وعجائبية، إنما يريد أن يوضح انعكاسها على ذاته الفردية وعلى الذات الجمعية أيضًا، في الوقت الراهن الذي يمتد للمستقبل.

ويمكن هنا التوقف عند آلية عمل الذاكرة التي تعتمد شخصيات القصص عليها في السرد، فهذه الذاكرة التي تشكلت من أحداث الماضي تشكل الآن الأبعادَ النفسية للشخصيات القصصية، وهي التي تحمل النسيج العجائبي وتجعله قابلًا للتصديق، بل وجديرًا بالثقة أيضًا.

ويرى الدكتور حمود الدغيشي الذي قدَّم للمجموعة أن سعيد الدرمكي "يبدو في سرده متوائمًا مع الحدث، ولا يبدو في الأفق شيءٌ غير ذلك، فالوَعْيُ بالمعتقد والأسطورة يسير في صالحهما في السّرد، وليس هناك تعطيل لمجالهما المغناطيسي، بل على العكس تمامًا، فهناك تفعيل لجاذبيتهما"، مضيفًا أن هذه التجربة القصصية تمثل شاهدًا دراميًّا على مرحلةٍ من مراحل الحياةِ في المجتمع العُماني.

يذكر أن سعيد الدرمكي حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهو مُحكم لعدد من المجلات العلمية وأستاذ أكاديمي غير متفرغ في عدد من الجامعات والكليات في سلطنة عُمان، وصدرت له قبل هذه المجموعة مسرحية نالت جائزة المنتدى الأدبي.

/العُمانية/النشرة الثقافية/ عُمر الخروصي