الأخبار

عراق الأمير.. موقع أثري في الأردن يروي حكاية التاريخ
عراق الأمير.. موقع أثري في الأردن يروي حكاية التاريخ

عمّان، في 3 أبريل/العُمانية/في حضن التلال المكسوة بالأشجار الحرجية وأشجار الزيتون والرمان، تغفو بلدة عراق الأمير الأثرية، التي تقع على بعد 35 كيلومترًا غرب العاصمة الأردنية عمّان، وتتضمن كهوفًا ساحرة وقصرًا مهيبًا وقرى طينية عتيقة وبساتين خضراء تأسر النظر على امتداده، وفيها تجري ينابيع ماء رقراقة عذبة.

تشير ذاكرة المكان إلى الأمير طوبيا العموني الذي اتخذ من هذه البقعة من الأرض سُكنى له، ويبدو أن كلمة "عراق" تعني "الكهف"، وسميت المنطقة بذلك نظرًا للكهوف المنتشرة فيها، وغالبيتها تتربع على الجانب الأيمن للوادي الذي يفضي إلى مبنى قصر العبد، وهذه الكهوف صنعتها يدُ الطبيعة وقدّتها من الصخر، ويرجع تاريخ سكنها إلى الحقبة الناطوفية، وقد حافظت على سحرها وقوتها بسبب التعديلات والتشذيبات التي أجريت على جدرانها وسقوفها من قِبل مَن سكنوا تلك المنطقة خلال القرن الثالث قبل الميلاد.

هذه الكهوف التي رُتِّبت في صفَّين؛ علوي وسفلي، ويبلغ عددها أحد عشر كهفًا، ويوجد في الطابق العلوي لهذه الكهوف ممر ضيق يربط في ما بينها وهو محفور بالصخر، ولا يتسع إلا لمرور شخص واحد عبره. وقد عُثر في جدران الكهوف السفلية على خمسة حروف بجانب إحدى النوافذ، تعود للقرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، وهذه الحروف تشكل كلمة "طوبيا"، وهو اسم العائلة التي كانت تحكم تلك المنطقة آنذاك، وقد عُثر على الحروف نفسها في كهف ذي سقف على شكل قبو ومزخرف في واجهته الأمامية.

ويرجح الباحثون أن هذين الكهفين هما عبارة عن قبور لأسياد من المنطقة، وأن الكهف الثالث في موضع آخر من المكان قد يكون استُعمل اسطبلًا للخيل، فهو أكبر الكهوف وأعمقها على الإطلاق، وعُثر فيه على ثمانين حوضًا لوضع الطعام للخيول. ويُلاحَظ أيضًا وجود مرابط للخيول حُفر لها في الجدران الداخلية للكهف. كما كشفت عمليات التنقيب عن مجموعة من الأدوات التي كانت مستخدمة قديمًا، مثل الإبر والأزاميل والشفرات والمقاشط الصوانية ذات الأشكال الهلالية أو الهندسية، وهذه الأدوات ترجع إلى الثقافة الناطوفية. وتم العثور في الموقع على رؤوس سهام مصنوعة من العظم من النوع المعروف بصنارة الصيد، مما يدل على أن سكان المنطقة كانوا يمارسون الصيد في الأنهر المجاورة.

بعد تخطي تلك الكهوف يجد الزائر نفسه أمام تحفة معمارية فريدة، هي قصر العبد الذي يعدّ من أهم الآثار التي تعود إلى الفترة الهيلينسية في الأرض الأردنية، وذلك لأن معظم الآثار الهيلينستة قد طُمرت تحت الأبنية التي ترجع للعصر الروماني في المنطقة. والقصر عبارة عن بناء مستطيل الشكل شُيِّد من الحجارة الكلسية الكبيرة التي استُخرجت من المناطق المجاورة، وقد تم بناؤه في منطقة منخفضة، حيث تم بناء بركة ماء صناعية لتحيط بالقصر من جوانبه كافة وحولها شُيّد سور كبير كان حاجزًا وحاميًا للقصر.

بُني القصر من طابقين؛ الأول يحتوي على بوابتين شمالية وجنوبية، وبعد البوابات توجد الممرات الشمالية والجنوبية، كما يحتوي القصر في الوسط على أربع غرف تقع على الجهة الغربية، ولكلتا البوابتين غرفة كانت تُستعمل للحراسة، وأربع غرف للتخزين، وعلى كل واحدة من الجهتين الشرقية والغربية للقصر، وهناك سبع نوافذ بُنيت بهدف إنارة المكان وتهويته. أما الطابق الثاني للقصر فهو عبارة عن غرف للسكن واستقبال الضيوف. وتشير الأبحاث إلى أن بناء هذا القصر لم يكتمل، حيث لا أثر لوجود سقف له.

وتتوزع على جوانب القصر منحوتات نُحتت بطريقة الاختزال التي كانت معروفة في الحضارة الهيلينستية، وهي النحت داخل الكتلة الحجرية نفسها. وانتشرت هذه المنحوتات على جوانب القصر وعبّرت عن أشكال لحيوانات مثل منحوتات الأُسود المنتشرة على واجهات القصر، وفي كل جهة منه أسدان، وقد وُضعت هذه المنحوتات لتؤكد الوظيفة التي أنيطت بها، وهي حراسة المكان وقوة الحاكم هيركانوس.

وهناك أيضًا منحوتات النسور التي من المفترض أن يكون عددها ثمانية نسور، وكانت جميعها في وضع تناظر وتنتشر على زوايا القصر، لكن لم يتبقَّ لها أثر، وتعد هذه النسور من التأثيرات السورية التي تعكس قوة البناء وعظمته. كما توجد منحوتات لِلبؤات، حيث تم نحت ما يشبه الفهود أو اللبؤات في الطابق الأرضي لمبنى القصر وخصوصًا في المداميك الأرضية، وذلك في الواجهتين الشرقية والغربية. وكانت اللبؤات متصلة بالخزّانات الداخلية للقصر، حيث تخرج المياه من فم كلّ من هذه اللبؤات التي كانت ترمز إلى قوة الشعب وتماسكه.

/العُمانية/النشرة الثقافية / طلال المعمري

أخبار ذات صلة ..