الأخبار

قرية أم الرصاص الأثرية.. شواهد حضارية صمدت عبر الزمن
قرية أم الرصاص الأثرية.. شواهد حضارية صمدت عبر الزمن
عمّان في 19 أبريل /العُمانية/ تتربع قرية أم الرصاص الأثرية في الأردن على ربوة خصبة ترتفع 760 متراً عن سطح البحر، وتطل على اثنين من الوديان ذات المياه الجارية، هما وادي الوالة ووادي الموجب.

تمتد آثار القرية على مساحة كيلومترَين مربعَين، وتقع في الجهة الجنوبية منها قلعة رومانية محصّنة على شكل مربع تسمى "حصن ميفاع"، ويضم بقايا الحصن عدداً من الأبراج والتحصينات المحفوظة حتى اليوم بشكل جيد، والمباني ذات الأقواس التي تكشف عن طراز معماري فريد، فضلاً عما تتضمنه من كتابات ونقوش أسهمت في التعريف بتاريخ المنطقة وحضارتها.

والزائر للقرية - تسمّى أيضاً "ميفعة القديمة" وتبعد عن عمّان 30 كيلومتراً - سوف يرى بقايا آثارها المسيّجة بأسوار منيعة، حيث استخدمها الرومان حاميةً لجيوشهم نظراً لموقعها المشرف على ما يحيط بها من تلال ووديان، ولقوة تحصينها ومتانة أسوارها، إلى جانب أنها كانت بمثابة حامية لطرق تجارتهم المتجهة من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام أو بالعكس، واستمر استخدامها خلال عصور لاحقة.

وظلت القرية مأهولة بالسكان في معظم الحقب منذ ما قبل التاريخ حتى العهد الحديث، بسبب موقعها الاستراتيجي والبيئي، وتوفر مقومات الزراعة والمناخ المعتدل فيها، بالإضافة للعوامل الجيولوجية. وقد تركت المجتمعات التي تعاقبت على السكن فيها بصمات لا يمحيها الزمن، ودلائل تشير إلى حضارة عميقة الجذور.

وتحتوي آثار القرية على أرضيات فسيفسائية مما عُرفت به معظم الآثار التاريخية الموجودة في مدينة مادبا ومحيطها، وقد اكتُشفت فيها أرضية فسيفسائية تم الحفاظ عليها وتعدّ الأكبر من بين الأرضيات الفسيفسائية المكتشَفة في المنطقة، وتعود لكنيسة القديس ستيفان (785 للميلاد) التي بُنيت على الطراز البيزنطي. وتصوّر الأشكال الموجودة على هذه الأرضية (التي تتجاوز مساحتها 500 متر مربع) عدداً من المدن المقدّسة في المنطقة، منها ثمان مدن في فلسطين وتسع مدن في الأردن، وعشر مدن في دلتا النيل، وتعد هذه الأرضية الفسيفسائية اللوحة الثانية من نوعها بعد خارطة فسيفساء مادبا التي تحتوي على تشكيلات ورسومات لمدينة القدس وللأراضي المقدسة المحيطة بها.

وتتوزع داخل أسوار "أم الرصاص" أربع كنائس ترجع للقرنين السادس والثامن للميلاد، وهي: كنيستا القديس سيرجيوس وكنيسة القديس أسطفانس، بينهما ساحة مبلّطة تم تحويلها فيما بعد إلى كنيسة إضافية عُرفت باسم كنيسة الباحة، ورابع هذه الكنائس هي كنيسة الأسقف وائل. ولهذا المجمع الكنسي أربعة أفنية تحيطها من الجهات الأربعة، كما يحيط بها سور يتسم في بعض أجزائه بكوّات وفجوات ذات طابع معماري مميز.

وقريباً من مجمع الكنائس هذا ينتصب برج ارتفاعه 15 متراً يُطلق عليه اسم "برج الناسك"، وهو البرج الوحيد الذي نجا من الدمار الذي لحق بالقرية في بعض الحقب، ويُعتقد أن هذا البرج تم استخدامه في القرن الخامس للميلاد من قِبل تابع مسيحي للقديس سيمون، ويقال إن هذا التابع كان عابداً زاهداً وقضى حوالي أربعة عقود من حياته يتعبّد في أعلى البرج. وفي آخر البرج غرفة صغيرة تمثل ما يشبه برج المراقبة المعروف اليوم، ويجاوره مبنى مكون من ثلاثة طوابق، ويُعتقد أن هذا البرج استُخدم أيام الرومان لأغراض الحماية من الاعتداءات الخارجية وأيضاً لحماية مياه الآبار، حيث تميزت القرية الأثرية قديماً بنظام خاص لجمع المياه من أجل الشرب والزراعة.

وتذكر بعض كتب التاريخ أن سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - زار "أم الرصاص" حين كان في مطلع شبابه قبل النبوّة، وفيها قابل راهباً يسمّى "بحيرة"، وقد رأى هذا الراهب علامات النبوة في سيدنا محمد فعرفها وبشّر بها.

ونظراً لما تتمتع به قرية أم الرصاص من كنوز أثرية جعلتها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، فقد ركزت عمليات الترميم فيها على بناء سقف جديد لكنيسة الكاهن ستيفن، لحماية الفسيفساء فيها، وإنشاء ممرات تسهّل حركة الزوار، ومركز يوفر لهم الخدمات التي يحتاجونها، بالإضافة إلى توفير مواد إرشادية وتعريفية بالقرية وآثارها وبتاريخها عبر العصور.

/العُمانية / طلال المعمري