الأخبار

"ضمّة من زعتر بري في جملة مفيدة".. نصوص تعكس إبداعَ المعماريّ

رام الله في 24 أبريل /العمانية/ تقدم الكاتبة الفلسطينية إيناس خورشيد فاهوم في مجموعتها "ضمّة من زعتر بري في جملة مفيدة" نصوصًا أدبية بمسحة صوفية نورانية، منطلقةً من فلسفةٍ عميقة وهي ترسم خطوط عالمها ومعالمه وحدوده بدقّة المعماريّ (وهو مجال عملها واختصاصها) ورؤية صانع الجمال.

تتلون الأفكار وتتسارع وتتنوع وتتداخل في هذا الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن؛ مشيرة إلى إبداع متشابك كغابة استوائية. وهي أفكار ذات بعد أخلاقيّ واعٍ يحمل أحلامًا وسعَ السماء زرقةً وعمقًا، وسمقَ الغابات الاستوائية المتعشقة غَورًا في الفضاء.

كل نص في المجموعة التي تقع في 282 صفحة يمثل لوحة ملونة معبّرة، وقصة سردية نابضة، حاملًا أفكارًا متجددة تحاكي حيوات عدة بتفاصيلها الدقيقة:

نقرأ في أحد النصوص:

"على عتبة النَّصِّ

هناكَ دائمًا

أنت

كلّ الضمائر تعود عليك.

أحيانًا كثيرة

تكون

أنتَ الصوت..

وأحيانًا أخرى

العطر..

هذا الصباح

أنتَ شمس حزيران

تشرق في قلبي

تجالسني على شرفة يومي

وأشرب قهوتي معك".

هذا الذكاء في السيطرة السلسة على المتلقّي في نقل ثيمات النص صورًا متحركة إلى ذهنه هو ما يميز نثر الكاتبة وكتاباتها.. وهو نثر تشدّك إليه الموسيقى الداخلية والفكرة الخاطفة فضفاضة اللغة وحداثية الملمس.

وقد اعتنقت النصوص روح الابتكار على مستويات عدة، منها: الحالة النثرية، والمفردة الجديدة غير المستهلكة، وحالة الإدهاش، والمفارقة في النهاية بعيدًا عن الرتابة.

نقرأ في نص آخر:

"يحدث

أن يُصاب البحر بالغثيان..

تنقلب الأمواجُ باتجاه الأفق

فتنجو الرمال.

ترتبك الحيتان

بين الأزرقين.

ويشرب ملحَهُ الماء

وبدلًا عن الأعماقِ

تختارُ اللآلئ

النزوح إلى الشطآن.

هكذا

عثرتُ عليك

ذات جَزْر".

وتحرص الكاتبة على شفافية اللغة وانسيابيتها، مع ترك المجال مفتوحًا للتأويل، لا سيما أن النصوص جميعها لا تحدد مخاطَبًا بعينه، وتنزع في جانب منها إلى الغموض الذي يستفز القارئ للبحث في دواخل الكاتبة وفهم الإسقاطات التي تحتملها الجُمَل. كما إن الوحدة الموضوعية للنصوص التي تَجاوز عددها مائة نص يضيف إلى التأويل إمكانات جديدة، فيغدو الكتاب أشبه بحديقة عملاقة، ذات ثراء وحيوية وغاية تسير إليها الكلمات:

"الكُلُّ يَعلَمُ أنَّك غامِضٌ

الكُلُّ يَعلَمُ عن حدائِقِكَ الغريبة

يقولون إنَّكَ تُربِّي بها أنواعـًا من الضّحِكاتِ

لكِنَّكَ لا تَسْتَعمِلُها

الكُلُّ يتساءَلُ لِمَنْ تزرع كلَّ هذا؟

وأحيانًا أنا أيضًا.

أمس كان موسمَ قَطْف الأزهارِ

الكُلُّ رأوكَ تقطف باقةً من الضّحِكاتِ..

وحدي أنا

سَمِعتُ أصواتَها تُدَوِّي

في قَلبِي".

يذكر أن إيناس خورشيد فاهوم نشأت في قرية ترشيحا بالجليل الأعلى، وتقيم في مدينة الناصرة بالجليل الغربي. تعمل في مجال الهندسة المعمارية وتخطيط المدن.

/العمانية/النشرة الثقافية/عُمر الخروصي