الجزائر في 4 سبتمبر /العُمانية/ يرصد د. أحمد ملياني في كتابه "الانزياح الأسلوبي في شعر تميم البرغوثي.. مقاربة أسلوبية في الأثر الجمالي" بالبحث في ما يُفْرِدُ هذه التجربة الشعريّة عن غيرها، من خلال أسلبة التعابير المنزاحة إيقاعًا، وتركيبًا، ودلالةً.
ومن هذا المنطلق، يؤكّد المؤلّف أنّ مدار هذه الدراسة هي إجراء مقاربة أسلوبيّة لديوان "في القدس" لتميم البرغوثي؛ تنهض على قراءة بنيويّةٍ، من خلال تتبّع الانزياح الذي كان له تمثّلٌ واضحٌ في شعره، عانق إيقاعه الصّوتي، وبناءه التركيبي، وجوهره الدلالي، من خلال كسر المتواليات التعبيرية؛ فاتّخذه الشاعر معيارًا لتميّز تجربته الشعريّة، وتفرّدها الجمالي الذي من شأنه التأثير في المتلقّي المتذوّق، ودفعه للتفاعل معها، ومع السياقات الأسلوبيّة التي هي من صميم الانزياح.
ويشير المؤلّف، في تقديم هذه الدراسة، إلى أنّ من دوافع إنجاز هذا الكتاب الوقوف على حدود هذه التجربة الشّعرية، دراسة، وتحليلا؛ والاطّلاع على شعر تميم البرغوثي، والإحاطة ببعض جوانب تجربته الشعرية، خاصّة وأنّ هذه الإحاطة بشخصية الشاعر تفيد كثيرا في تحليل شعره، وتأويل ما يجب تأويله، بالإضافة إلى الوقوف عند فرادة شعره، وكذا زخم تجربته الشعرية.
وفي ظل ارتباط ديوان "في القدس" بالقضية الفلسطينيّة، واعتبار تميم البرغوثي واحدا من الشعراء الذين ساهموا في إسماع صوتها، يؤكّد د. أحمد ملياني أنّ ذلك أدّى إلى نتاج شعريّ ارتقى به ليكون من بين أهمّ التجارب الشعرية المعاصرة، لتضمّنه عدة من الظواهر الانزياحية، التي يمكن الوقوف عليها من خلال الديوان المقدّم لهذا البحث.
وفي سبيل تقديم دراسة أسلوبيّة جادّة لشعر تميم البرغوثي، استعان المؤلّف بما جدّ في حقل الدراسات اللّسانيّة والأسلوبيّة، وإبراز فاعليّة هذا المنهج في الدراسة والتحليل.
وأخذت هذه الدراسة بعين الاعتبار ما سبق دراسته في مجال البحث الأسلوبي تنظيرًا، وتطبيقًا.
وقد جاءت هذه الدراسة لتحاول تشخيص بعض الإشكالات الملقاة على عتباتها، التي تبحث في ماهية الانزياح، ومدى تحقّق الانزياحات الأسلوبيّة في شعر تميم البرغوثي، وأهمّ الظواهر الانزياحيّة التي تتوظّف كأوراقٍ جماليّةٍ في شعر البرغوثي، وأبعاد الانزياحات الأسلوبيّة في شعره، وانعكاسات تلك الظواهر الأسلوبيّة على شعره من الناحية الجماليّة والتأثيريّة.
وقد قسّم الباحثُ كتابه إلى أربعة فصول، أوّلها "الأسلوب والانزياح.. المفهوم والاتجاهات"، تناول فيه دراسة نظرية لمفهوم الأسلوب لدى البلاغيين العرب القدامى، من أمثال ابن طباطبا، وعبد القاهر الجرجاني، وحازم القرطاجني، وابن خلدون، وهم الذين لم يخرج فهم الأسلوب عندهم عن كونه الموافقة بين أجزاء الكلام في إطار منتظم متعلّق بتلاؤم التراكيب والمعاني وفق ما تقتضيه التجربة أو السلامة النحوية، ثمّ عرّج الباحث على مفهومه عند الدارسين العرب المحدثين، مثل عبد السلام المسدي، وأحمد الشايب، ومنذر عياشي، ومحمد عبد المطلب. ورغم تجاذبات كلّ ناقد منهم إلا أنّ مفهوم الأسلوب عندهم لم يبتعد عن جوهره؛ على اعتباره الطريقة المميّزة التي يسلكها الكاتب أو المبدع في صياغة ألفاظه لبلوغ المعاني.
أما الفصل الثاني، "الانزياح الإيقاعي وفواعله الجمالية في شعر تميم البرغوثي"، فتناول فيه، بمقاربة تحليليّة إحصائيةٍ، الظواهر الصوتيّة التي شكّلت انزياحيّة الإيقاع، وذلك من خلال مستوييه، الداخلي، والخارجي.
وتطرّق مؤلّف الكتاب في الفصل الثالث الذي جاء بعنوان "أثر الانزياحات التركيبيّة في تشكيل جماليّة شعر تميم البرغوثي"إلى مظاهر الانزياح في تركيب الجملة، والمتمثل في ظاهرتي التقديم والتأخير، والجمل الاسمية والفعليّة، وكيف مثلتا ملمحًا منزاحًا اعتمده تميم البرغوثي للتعبير عن خوالجه، وكذا الانزياحات التي طرأت على الأساليب الإنشائية، كالاستفهام، والنداء، والنهي، والأمر.
أما الفصل الرابع، "الأبعاد الجمالية للانزياحات الدلالية في شعر تميم البرغوثي"، فخصّصه لدراسة الانزياح الدلالي، وتمظهراته في كلّ من الاستعارة، والتشبيه، والكناية، والتّناص.
يُشار إلى أنّ د. أحمد ملياني، باحثٌ حاصلٌ على شهادة دكتوراه في الأدب، ويُدرّس بجامعة حسيبة بن بوعلي بولاية الشلف (غرب الجزائر)، من مؤلّفاته "السّمات الدلالية في الشعر الصُّوفي" (2016)، و"تلقّي النظرية الأسلوبية في الترجمات العربية" (2018).
/العُمانية/النشرة الثقافية/ عُمر الخروصي