الجزائر في 11 سبتمبر /العُمانية/ تشتغل الباحثة د. فاطمة قيدوش في كتابها "تمثُّلات الجسد في قصص غادة السمان"، الصادر عن دار خيال للنشر بالجزائر، على الغوص في الأعمال القصصيّة للروائية السورية غادة السمان (1942)، عبر العديد من الأبواب؛ أهمُّها: مفهوم الجسد، والجسد الغواية، والجسد بين التحرّر والتشيّؤ، والجسد والسلطة، والخوف من الجسد وتقويض الأنوثة، والجسد الأنثوي من القمع إلى الوأد، والفحولة بين التأليه والتهشيم.
وتؤكّد هذه الباحثة في حديث لوكالة الأنباء العُمانية، على أنّ موضوع الجسد يُعدُّ من الموضوعات الشائكة التي فيها الكثير من التشعّب والتعقيد، وقد أخذ مفهوم الجسد حصّته من كلّ المعارف الأسطوريّة، والدينيّة، والثقافيّة، وأولت له الفلسفة قبلها اهتمامًا بالغًا بين كونه كيانًا منفصلًا عن العقل، وكونه تابعًا تسكنه الروح، وبين التقديس والتدنيس تأرجحت الآراء، وظلّت علاقة الإنسان بجسده مرتبطة بالخطيئة باعتباره من الرزايا والخطايا، وشاعت هذه النظرة في الديانات المختلفة.
وتضيف د. فاطمة قيدوش: "دخل الجسد بكلّ ثقله إلى ساحة الدراسات ما بعد حداثيّة التي دفعت به إلى الواجهة لتكشف عن ميولاته ورغباته، وتعرّي الثقافة التي نظرت إليه وصنّفته بين جسد عارٍ، ومستور، والجسد السلعي والدوني والمهمّش، وكشفت عن مدى مساهمة التربيّة الثقافيّة والاجتماعيّة في نظرتنا إلى الجسد - الأنثوي منه والذكوري - من خلال دراسات مختلفة على مدوّنات كثيرة لكتّاب أبدعوا وكاتبات تميزن في سردهن، منهنّ غادة السمان التي جاءت نصوصها حُبلى بتيمة الجسد بنوعيه الذكوري والأنثوي، حيث ظهر هذا الأخير بصوّر متعدّدة نتيجة ما ألصقته به الثقافة الذكورية، وما توارثته الذاكرة الجماعية من أفكار خاطئة استمدّت مفاهيمها من الموروث الشعبي
وأصبح الجسد الأنثوي مادّة مستباحة خاضعة لشروط العرض والطلب، وانتقلت جمالياته، وتحوّلت إلى علامة تجارية خاضعة لشروط السوق وأذواق المستهلكين، ما يزيد من امتهانه فيصبح أكثر عرضة للمقايضة كأيّ سلعة تجارية، وكان بذلك الجسد الأنثوي محلّ تنظير النسوّية، ولم يتوقف ذلك على الجانب الحسي والمعنويّ، وإنما تعدّاه إلى الجانب القيميّ، فتظهر المرأة المجاهدة في مواجهة السلطة حين ترغب الكاتبة من خلالها إماطة اللثام عن الجوهر الحقيقي للمرأة، بعيدًا عن نمطية الرقّة والنعومة التي لازمتها، تمهيدًا لنبذها تاريخيًّا، فيحضر الجسد الأنثوي كهوّية تحافظ على الموروث مقابل سياسة المحوّ الذي يمارسها المستعمر للسيطرة عليه، وتُشيد الكاتبة وتُعلي من قيمة المرأة بكونها حافظة للموروث الثقافي.
وتؤكّد هذه الباحثة أنّ الجسد الذكوري تمظهَر وتباين حضوره بصور مختلفة في قصص الأديبة غادة السمان، حيث اتّسم عالم الذكورة في قصص غادة السمّان بنوع من الارتباك بين التقدير والتقدّيس يصل إلى حدّ التأليه، وأحيانًا ينزاح السرد بهذا المقدّس إلى أغوار الدناءة والتدنيس حين تُقوّضُ فحولة الجسد الذكوري، فكانت قصصها بذلك مرايا عاكسة لمعاناة الجسد في المجتمعات العربية المحافظة التي فاضلت بين الجنسين.
يشار إلى أنّ د. فاطمة حيدوش حاصلة على درجة دكتوراه في الأدب العربي الحديث والمعاصر من جامعة الجزائر، ومن مؤلفاتها "ويلفظني البحر" (مجموعة قصصية) عن دار ابن الشاطئ للنشر 2014، و"معجم أدباء ميلة.. سير ونصوص" دار دهيلي للنشر 2023.
/ العُمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري