الأخبار

الفوتوغرافي صالح حمدوني: الصورةُ رسالةٌ.. واللغة البصرية يمكنها أن تقول الكثير
الفوتوغرافي صالح حمدوني: الصورةُ رسالةٌ.. واللغة البصرية يمكنها أن تقول الكثير

عمّان في 11 سبتمبر /العُمانية/ خاض الفوتوغرافي الأردني صالح حمدوني تجربة التصوير وهو ما يزال في عمر اليفاعة، وبمرور الزمن تمكّن من تطوير أدواته وتجاوز البدايات "المرتبكة" على حد تعبيره.

يقول حمدوني في حوار مع وكالة الأنباء العُمانية: "كنت أبحث عن طريقة للتعبير، وكانت الخيارات محدودة، لكنني أذكر جيدًا أن حالة من الحزن كانت تصيبني حين يستعير أحد إخوتي كاميرا ولا يُتاح لي استعمالها".

ففي البداية اتجه حمدوني إلى الرسم على الورق والكرتون، لكنه لم ينسجم مع هذه الصيغة للتعبير عما في نفسه، فقرر التوجه للكتابة في محاولةٍ منه لاكتشاف الذات، ثم سرعان ما جذبه عالم التصوير، ويوضح: "خلال دراستي الثانوية بدأت أتلمّس الكاميرا في بيوت أصدقائي؛ كانت دائرة الأصدقاء قد توسّعت لتشمل أصدقاء من عائلات ميسورة، وبدأنا مشاهدة أفلام عالمية على أجهزة الفيديو، عندها دخلتُ عالم الصورة كمُشاهد ومُتابع وقارئ للمشهد، وبعد سنوات تمكنت من شراء كاميرا بالأقساط".

من تلك الكاميرا البسيطة، عبَرَ حمدوني إلى عالم الفوتوغراف وتقنياته، ثم تعمّق شغفه بالتصوير في عام 1995 حين تعرّف على مشرف مختبر التصوير الفوتوغرافي في كلية الفنون بجامعة اليرموك، الذي سمح له أن يستعمل المختبر، وكان يُجيب على أسئلته المتواصلة ويُعلّمه بعض التقنيات اليدوية في التحميض والطباعة، وهي التجربة التي أثمرت عن إقامة معرضه الأول عام 1997 في نادي الجليل بمخيم إربد، حيث وُلد ونشأ.

وتتميز صور حمدوني الحاصل على جائزة المتحف الوطني الأردني للفنون (2002)، بميلٍ لتوثيق المشهديّات التي تفيض بالتعبيرات النفسية، ذلك أن "الصورة لغة يمكن لها أن تعبّر وتقول الكثير، وهي تغني بالفعل عن ألف كلمة".

ويضيف الفنان: "لأن اللغة البصرية قادرة على التعبير ويمكنها أن تقول الكثير، فأنا أجرّب وأبحث عن إمكانات تعبيرها، تقودني حساسية العين والقلب إلى المَشاهِد فأبحث في تفاصيلها التي ربما لم يلتفت إليها أحد. فما الفائدة من صورة لا تُبرز التعبيرات النفسية، سواء للمصوِّر والمصوَّر"، وهذه السمة - كما يرى - هي ما يُعطي للصورة قيمتها الإنسانية والإبداعية.

يحاول حمدوني - الذي أقام عددًا من المعارض الفوتوغرافية كان آخرها "نساء ضد الحرب" - تقديم نقدٍ لما وراء المشهد، بخاصة في الصور التي يستمد موضوعاتها من أجواء الأسواق الشعبية ومن سعي البشر وكدّهم في الحياة لتأمين لقمة عيشهم.

ولأن الفوتوغراف "يخضع لقيم ومعايير الجمال والمعنى، ولديه قدرة على تقديم محمولات مقصودة"، فإن حمدوني يؤكد التزامه بهذه القيم ويحرص على تضمينها في صوره، باحثاً عن الجمال مع اهتمامه بالدلالات وما يريد قوله. يقول: "تزخر الحياة بالقصص في الشوارع وعلى الأرصفة، حين أقرر أن أصوّر لا أظهر كغريبٍ أو سائح أو مستكشف، فأنا واحد من هؤلاء الذين يعيشون حولي، وُلدت بينهم وكبرتُ وسطهم، أعرف ما يفكرون به وما يحلمون بتحقيقه. وهذا يُلقي عليّ واجبَ أن أقول ما في قلوبهم وأرواحهم بالصورة. الصورة رسالة.. وقيمةٌ أيضاً".

درس حمدوني العلومَ الاجتماعية، وهو تخصص أفاده كثيراً، إذ تحوّلت الصورة عنده إلى موضوع بحث ودراسة متعددة الجوانب. وهذا يعني "ضرورة القراءة والبحث الحقيقي وطرح الأسئلة" عن الموضوع الذي يشتغل عليه.

كما خاض تجربة متواضعة في الدراما والمسرح، لكن ظروف العمل الصعبة في ذلك المجال دفعته للتركيز على الكتابة والفوتوغراف، مشيراً إلى أن تجربته المتنوعة في البدايات كان لها أثر في صوره وفي المشهديات التي تعامل معها، إذ "شكّلت ذاكرةً بصرية مركّزة" ما زال يستعين بها.

يخطّط حمدوني للصورة قبل الشروع في التقاطها، ويوضح ذلك بقوله: "أحمل مع الكاميرا أفكاري المسبقة، وهذا يدفعني لأن أحدّد إلى أين أذهب ومَن ألتقي، لكني حين أبدأ في التقاط الصور أتعامل مع المسألة وفقاً لمقولة جون ستيوارت مل: (الصورة مزيجٌ بين التوقّع والصدفة)".

وفي العادة، يشتغل حمدوني على أفكار متعددة، لأن احتمالات اللقطة في المكان متعددة كل لحظة، وهاجسه دائماً "أن لا تضيع لقطةٌ في تلك اللحظة المختارة". يقول: "أصوّر باستمرار، ولا تتوقف عيني عن الرصد. لاحقاً أعمل على فرز الصور إلى موضوعات. أحياناً أعود إلى البيت بلا أيّ لقطة مما خططتُ له ساعة خروجي، لكني أكون قد تزوّدتُ بمخزون من اللقطات الأخرى".

وحول فنية الصورة الفوتوغرافية اليوم في عصر تتوفر فيه الكاميرات على مدار الساعة من خلال أجهزة الهاتف الذكية، يقول حمدوني: إن الفوتوغراف يُنظَر إليه غالباً بوصفه أدنى مرتبةً من باقي الفنون، على الأقل في المنطقة العربية، وبعضهم يراه "بلا قيمة"، ربما بسبب الكمّ الهائل من الصور المتداوَلة يوميّاً والتي يصنّفها الفنان ضمن "الثرثرة والضوضاء البصرية".

ويقدم حمدوني أطروحته في هذا السياق بقوله: "مع انتشار الكاميرات بين أيدينا من خلال أجهزة الهاتف يتم التقاط ما يقارب مليار صورة يوميّاً، يُنشر منها 300 مليون صورة على مواقع التواصل الاجتماعي. كم منها يحمل قيمة إبداعية وفنية؟ كم منها يعبّر عن حدث مهم أو يحمل فكرةً جديرة بالانتباه أو يتبنى قضيةً جوهرية أو ينطوي على وعيٍ فكري؟".

ويبرز هنا - بحسب حمدوني - الفارق بين المصور المحترف وغيره، فالمصور المحترف "عليه أن يعرف كيف ومتى وأين ولماذا يلتقط الصورة"، خاصة أن الفوتوغراف عموماً "طاله الاستسهال وأصبح يتسم بالرداءة والتفاهة".

ويؤكد حمدوني الذي صدر له في السرد كتابان هما "زر وسط القميص" و"على قيد الضحكة"، أنه يجتهد ليقدم ما يرتقي بفن التصوير وما هو مغاير للسائد. ويضيف: "حاولت أن أقدّم صورة فكرة، صورة موقف، صورة جمال، وصورة تُحيي تفاصيل لا ينتبه إليها أحد".

وعن مشاريعه القادمة يكشف حمدوني أن لديه مشروعاً بعنوان "ضحك"، يبحث فيه عن ضحك الناس النابع من الأعماق؛ "الضحكة غير المصطنعة، والمشاعر وطبيعيتها".

/ العُمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري