عَمّان في 15 يوليو /العُمانية/ يشتمل كتاب "خرافة الزمن الجميل" للباحث والأكاديمي غسان عبدالخالق، على مقاربات في الأدب والنقد والسياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والفن، من منظور ثقافي تفكيكي يهدف لإعادة النظر في كثير من البدهيات والمسلّمات السارية جرّاء استسهال الركون إلى التفسيرات المريحة.
يمثّل تقويضُ فكرة "الزمن الجميل" المركزَ المحوري للكتاب الصادر عن دار خطوط وظلال (2024)، انطلاقًا من قناعة الكاتب بأن هذه الفكرة "ليست أكثر من إعادة إنتاج لفكرة الوقوف على الطلل واستدعاء طيف المحبوب وظلال الزمن المواتي".
ومن أبرز المفردات/ العناوين التي اشتبك الكاتب من خلالها مع مفاصل الواقع الثقافي والفكري والسياسي الراهن: الثنائيات المزيّفة في الثقافة العربية، وما العمل بخصوص التفاهة والتافهين؟ ولماذا يتهاوى تقدير الأكاديمي العربي لذاته؟ وأخلاقيات العصر السائل، كيف تنبّأ أورويل بما حدث ويحدث؟
ولم يدّخر الكاتب، من خلال هذه العناوين وما طرحه فيها من أفكار ورؤى، وسعًا للتواصل مع القارئ والمثقف العام، على نحوٍ حواري ونقدي يهدف إلى إحلال عدد من القيم الأخلاقية والمنهجية والجمالية التنويرية.
ومما جاء في مقدمة الكتاب الذي يحمل عنوانًا فرعيًّا هو "نحو ثقافة تنويرية جديدة": "يمثل مصطلح (الزمن الجميل) أبرز المجازات الثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحياة العربية.. وهذا المجاز يمثّل أخطر أنواع (المخدّرات الذهنية)؛ لما ينطوي عليه من خداع مقصود أو غير مقصود للذات الفردية والجمعية على حد سواء، ولما يتدثّر به من غلالات الرومانسية المفرطة، التي لا تعدو كونها طبقة سميكة من الحنين المَرَضي الجارف إلى الماضي، على حساب التعايش مع استحقاقات الحاضر والمستقبل بشجاعة وإقدام".
ويضيف عبدالخالق: "بلغة خبراء علم النفس؛ فإنني أزعم أن (الزمن الجميل) هو الاستعارة التي أطلقها المخيال العربي المعاصر، على (منطقة الراحة) التي برعت المجتمعات العربية المعاصرة في التمترس خلفها، لتسويغ خوفها الشديد من الإقدام على ما ينبغي الإقدام عليه -فرديًّا أو جمعيًّا- من تحديث ومواكبة ومبادرة وابتكار".
ويتابع المؤلف بقوله: إنَّ "منطقة الراحة" هذه "هي التي تضخّم مخاطر الاتجاه إلى الديمقراطية السياسية والحرية الفكرية والتنوّع الثقافي على الصعيد الجمعي"، وبوجودها "يتضاعفُ شعورنا بالذنب كلّما امتلكنا الرغبة في مساءَلة الماضي القريب أو البعيد، ما يدفعنا إلى الاكتفاء بالثناء على (فردوسنا المفقود) الذي لو أننا امتلكنا الجرأة الكافية، لأدركنا أنه لم يكن مثاليًّا تمامًا أو خاليًا من العيوب كما نتوهّم، ولأدركنا أيضًا أنَّ حاضرنا -بدوره- سيغدو لمن يأتي بعدنا زمنًا جميلًا ومنطقة مريحة".
ويوضّح عبدالخالق أننا غير ملزمين بمقاطعة الماضي، وأن المطلوب منا "تعشيبه وتطهيره من الأعشاب الضارة التي حجبت أشجاره المثمرة الباسقة". مشيرًا إلى أنَّ هذا الكتاب لا يندرج ضمن كتب المواعظ الاجتماعية، بل يضم مقاربات ثقافية متنوّعة، للإطلال على كثير من القضايا والظواهر والمسائل الراهنة على نحوٍ يهدف "لإخراج القارئ من شِباك الزمن الجميل وأسْرِ منطقة الراحة، والإلقاء به في حمأة الأدب والنقد الأدبي تارة، وحومة الفكر والفلسفة تارة، والاقتصاد والاجتماع تارة، وساحة الفن تارة".
وقدّم د.نبيل حداد للكتاب، مشيدًا بتجربة د.غسان عبدالخالق في كتابة المقالة الثقافية، وسمات كتابته المتمثّلة في فرادة الفكرة، وسلاسة العرض مع عمق المعنى، ووضوح الفكرة، والتشويق، وإزالة الحواجز عن القارئ.
/العُمانية/النشرة الثقافية/عمر الخروصي