الجزائر في 22 يوليو/ العمانية/ يندرجُ كتاب "ثقافة المزاح في جزائر العصر الوسيط" ، للباحث د. البشير بوقاعدة، الصّادر عن دار ألفا دوك للنشر، في إطار البحوث التي تحفرُ في جانب إنسانيّ مهمّ من الحياة، وهو "المزاح" الذي، وإن كانت الصّرامة تُعتبر أحد جوانب الحياة المهمّة، فإنّ المزاح، موضوع هذا الكتاب، يُعدُّ جانبُها الآخر المهمُّ أيضا.
والمزاحُ، كان وما زال، واحدًا من أساليب النفس البشرية التي تبحث عبر بوّابته عن التخفيف من حجم الآلام الاجتماعية والنفسية التي تكابدها، وتطلب ما يطرد عنها أثقال الضغوط التي تفرضها عليها، ويُساعدها على تحمّل مشاقّ الحياة وأتعابها.
وفي هذا الشأن، يؤكّد د. البشير بوقاعدة، مؤلّف هذا الكتاب، بالقول "معلومٌ بالضّرورة، أنّ الشريعة الإسلامية أولت هذا الجانب في حياة الإنسان عناية مركّزة، وأفصحت عن طبيعة الضّوابط الشرعية الكفيلة بتأطير حياة الفرد في منحى التسلية والترفيه والمتعة، بعيدا عن كلّ محظور ومكروه، وضارّ ومُضرّ. وقد كشفت لنا السُنّة النبوية الصّحيحة عن مساحة الترويح والاستمتاع المسموح، والآداب الناظمة لمظاهره، والضّوابط الرّاسمة لإطاره، والأدلة على ذلك متعدّدة وثابتة".
ويقوم الإطارُ المنهجيُّ لهذا الإصدار على خمسة فصول، هي (المزاح في التراث الإسلامي.. قراءة في معاني المفردة وطبيعة الألفاظ ذات الصّلة بها، والمزاح في ميزان الشّرع، وعوائد المزاح الهادف على الصحّة الجسمية والنفسية، ودور المزاح في المنحى الاجتماعي والقيمي، وأضرار المزاح المذموم في حياة المجتمع المغرب الأوسطي).
وعلاوة على تبيان أهميّة المزاح في حياة الشعوب، فإنّ الباحث يهدف، من خلال هذا الكتاب، إلى تحقيق العديد من الأهداف ذات العلاقة بهذا الموضوع، وأهمُّها نفضُ الغبار عن جوانب من مضمرات الشخصيّة الثقافية والأدبية والفنية والنفسية لمجتمعات جزائر العصر الوسيط، ورصد طبيعة النمط المزاحي الذي ساد بين أوساط الخاصّة، ومساحة التباين الذي اصطبغ به عن أساليب المزاح ومظاهر الترويح عن النفس التي سادت بين ظهراني العامّة، والتعرّف على نماذج من طرائق المزاح وأدوات التسلية التي سادت بالنطاق المكاني والحيّز الزماني المحدّد، وإبراز مساحة من جوانب الحضارة المغرب أوسطية خلال العصر الوسيط، إضافة إلى إدراك الأبعاد الحضارية والفكرية لمجتمعات جزائر العصر الوسيط في منحى الأذواق والفنون والطبائع والعادات والأعراف، ومعاينة مدى أهميّتها ومستويات ذلك، مع محاولة الكشف عن المستوى الثقافي الذي بلغته في تطوير الأذواق الفنيّة وتهذيبها، ومعاينة طرائق التفكير في هذا المنحى الفني، وأساليب التعبير عن المشاعر والأذواق بواسطة حسّ المزاح والدعابة.
ويخلصُ مؤلّف الكتاب إلى القول "إنّ النفس البشرية غالبا ما تجنح لكلّ ما يبعث على راحتها ويمنحها البِشر، والملحة والسرور والمتعة، مهما كانت مكانة صاحبها في نظام التراتبية الاجتماعية، ومراتب العلم ومصاف المعرفة؛ فليست المتعة قرينة بالمكانة الاجتماعية ولا العلمية، وإنّما مطلبٌ فطريٌّ جُبلت عليه النفس؛ فالبِشر مع الناس خصلة من الخصال النبيلة التي هدانا إليها الشارع الحكيم، والرفق إليهم طريقٌ من طرق الوصول إلى قلوبهم والتأثير إيجابًا فيهم، وقد قال أحد السابقين: "البشاشة مصيدة المودّة"، ومن محاسن الخلق ومكارمه: "لين الكلام وطلاقة الوجه"، غير أنّه، حتى وإن كان هذا المطلب لا يناقض بتاتا سلوك التواضع، وآداب المعاملة الحسنة، فإنّه من الجميل أن يحافظ الإنسان على هيبته ووقاره ويراعي مكانته؛ فلا يخوض من أمور المتعة إلا في ما هو مشروع، ولا إلّا بما هو محمود".
يُشار إلى أنّ د. البشير بوقاعدة، مؤلّف الكتاب، باحثٌ جزائريٌّ، سبق له أن أصدر العديد من الدراسات الاجتماعيّة والتاريخيّة المهمّة، أبرزُها "أسلحة الحصار في بلاد المغرب الإسلامي" (2019)، و"الفراغ الأبوي والطفل" (2021)، و"خطاب الكراهية في النصّ التاريخي الوسيطي" (2022).
/العمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري