الأخبار

"أثر على أثر" لغسان مفاضلة.. لوحات تستنطق البعد الجمالي والفلسفي

عمّان، في 22 يوليو/ العمانية/ يقدم التشكيلي الأردني غسان مفاضلة في معرضه "أثر على أثر" أعمالاً حداثية توظف المهارات الفنية لتحويل العناصر المهمَلة إلى عناصر جمالية، وهذا التحويل لا يشمل المواد فقط، إنما يمتد ليطال أيضاً المعاني والدلالات، وهذا ما يؤكده عنوان المعرض، الذي يستل الأشياء من بيئتها (أثرها القديم) ليعيد صياغتها في بيئة أخرى (أثر جديد).

من هنا، تسعى أعمال مفاضلة المعروضة بالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، إلى الخروج عن التقليدية في استخدام المواد الفنية، ومحاولة إيجاد مواد جديدة، أو الدمج بين مواد مختلفة، مثل قطع المعدن والآلات التي تم استهلاكها، والأخشاب وبقايا الأقمشة والأوراق والزجاج والبلاستيك.. مع الاشتغال على اللون والتشكيل النحتي للمجسمات والأعمال الإنشائية.

وتنسجم أعمال مفاضلة مع الأبعاد الهندسية ومفرداتها، فقد يعمد الفنان في البنية العامة للّوحة إلى تشكيلات هندسية على هيئة خطوط طولية ملونة، وداخل هذه التشكيلات العامة يعتني الفنان بالأشكال المصغرة التي تملأ السطح من دوائر ومربعات وثقوب مفرغة وحواف مسننة، تجعل كل عمل له كما لو أنه قطعة فسيفسائية مجتزأة من قطعة أكبر تمثل الطبيعة بمفرداتها.

يضم المعرض العديد من التشكيلات؛ حيث المنحوتات التي تستلهم شكل المرأة، واللوحات التي يقارب بعضها الجداريات، ومنها ما يوحي بمشاهد من الطبيعة، كما لو أنها غابات من الأشجار، أو أنهار متدفقة بالأزرق، أو طيور على وشك التحليق.

ورغم التدخلات الفنية في أعماله، إلا أن مفاضلة ظل حريصاً على أن تظل أجزاء منها بالألوان نفسها التي منحتها الطبيعة لها، كبقع الصدى، وتغيُّر لون النحاس إلى الأخضر.

كما اعتنى الفنان خلال عملية التلوين بتقارب اللون الجديد (الأزرق وتدرجاته) مع الألوان الأصلية للمادة التي يشتغل عليها، كما لو أنه يريد أن يقول إن البناء لا يكون بمحو الأثر القديم تماماً، بل يكون في البناء عليه واستكماله.

وهذا ما نراه مثلاً في العمل المسمى "انعكاس.. صوت وصدى"، المكون من مواد خشب مع ألوان الأكريليك، حيث راعى الفنان أن يترك بعضَ الأثر القديم للمادة، وواءمه مع اشتغالاته الحداثية والأثر الجديد الذي أراده للّوحة، وفيها تتجاور الأشكال المصغرة من مربعات ودوائر وخطوط وتتمازج الألوان الطبيعية مع تلك المضافة، ما يمنح أبعاداً ثلاثية للشكل تجعله مقارباً للنحت.

هذا المنحى هو ما أشار إليه الناقد والفنان د.خالد خريس في سياق تقديمه للمعرض، فقد أوضح أن الفنان مفاضلة يمنح مواده بعداً جمالياً بعد أن ينزعها من سياقها ووظيفتها الأصلية، ليضعها منفردة أو مع مواد أخرى في سياق جديد، مستنطقاً فيها البعد الجمالي البصري والفلسفي.

وأضف خريس أن مفاضلة يضع المتلقي أمام قراءات وتأويلات متعددة، مشيراً إلى أن أعماله تُبرز شغفه بالمواد التي تحيط ببيئته، والتي يقوم بتشكيلها قبل أن يضيف عليها ألواناً وملامس، أو يأخذها كما هي ليضعها ضمن تصور جديدة ورؤية حديثة.

ووفقاً لخريس، فإن مفاضلة يتجه بأعماله نحو أبعاد ثلاثية، ذلك أنه نحات ورسام وملوِّن وظّف إمكاناته وقدراته وتقنياته في إبداع أعمال تنتمي للمحيط، لكنها في النهاية تنتمي لنفسها؛ لتثير حزمة من التساؤلات حول إمكانيات الفن اللامحدودة في ابتكار طرائقه في الإنشاء والتعبير.

من جانبه، قال مفاضلة في سياق التعريف بأعماله في هذه التجربة، إنها لا تسعى إلى تقليد الأثر في محيطه البيئي أو محاكاة ارتساماته وترسُّباته على هذا النحو أو ذاك، بقدر ما تسعى إلى بناء "أثر على أثر"، موضحاً أن الفن بالنسبة له ليس سوى "إنشاء/ تركيب" لا يكفّ الفنان عن تشييد بنيانه من تراكمات الأثر ليُنتج "أثراً متفرداً في حضوره وتعبيراته".

/العمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري

أخبار ذات صلة ..