عمّان، في 11 نوفمبر/العُمانية/ يلقي د.خلدون امْنيعم في كتابه "في جنيالوجيا الشَّـر"، الضوء على مفهوم الشرّ باعتباره أحد المفاهيم القارّة في التّجربة الإنسانيّة، والمتشكّل في هُويّات متعدّدة تتقاطع في تجلّيات واقعيّة للمشهد الإنساني؛ ما يجعل كشف أصوله فعلًا عصيًّا، إذ "يمارس الدينيّ والميثولوجيّ والثّقافي والسّياسيّ معًا فعاليّة الحجب والتّعمية على جذور انبثاقه وحركيّة أفعاله، خاصَّةً في الخطابات السّردية التي تتخلّق بوصفها تجربةً فنيّةً جماليّة تحجب أكثر ممّا تكشف".
ويؤكد امنيعم في كتابه الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن أن قراءته لمفهوم الشَّر ليست المطلب الرّئيس لقراءاته التّأويليّة للنّصوص السّردية، فلكلّ مجموعة قصصيّة أو رواية خصوصيّتها في تشكيل خطابها المعرفيّ ورؤاها التي تنهض عليها وبها.
يتضح ذلك من خلال فلسفة محاور القراءة التي تضمّنها الكتاب؛ حيث تناول المحور الأوّل مسألة "السرد والزمن"، وأقامه الباحث على دراستين أولاهما أجرى فيها مقارنة بين رواية "صحراء التتّار" للروائي الإيطالي دينو بوتزاتي ومجموعة "كمستير" للقاصّ جعفر العقيلي، وخصّ ثانيتهما بتحليل مجموعة "رباعيّات الفردوس" للقاصّ مخلد بركات، والجامع بين الدراستين التوقف عند توظيف النصّ السرديّ للزمن لاختزان ما يتّصل به من أبعاد فلسفيّة وميثولوجيّة.
أما المحور الثاني فجاء بعنوان "السرد والوجود"، وفيه عمّق الباحث النظر في مسألة مفهوم الوجود فلسفيًّا وإبداعيًّا، انطلاقًا من نصين روائيّين هما "بعد الحياة بخطوة" ليحيى القيسي، و"هاوية الجنون" ليحيى الحباشنة.
وتناول المحور الثالث قضية "السرد والتاريخ" من خلال منظورين، أوّلهما الخطاب ما بعد الكولونيالي وقارب الناقد بواسطته رواية "فستق عبيد" لسميحة خريس، وثانيهما القراءة السيميائيّة واعتمدها في دراسة رواية "الوبّاص" لتامر راضي.
وسار المحور الرابع "السرد والسلطة" على خُطى المحور الثالث في الخروج من بوتقة الفرد والانفتاح على التاريخ والحضارة في أعلى تجلّياتهما، وقد ارتكز التحليل في هذا المحور على منهجين: المنهج السوسيو-النصي مطبّقًا على رواية "خبز وشاي" لأحمد الطراونة، والمنهج الظاهراتي-النصي؛ وقد وظّفه المؤلف في مقاربة رواية "تراب الغريب" لهزاع البراري.
ويوضح امنيعم أن عنوان الدراسات التي ضمّها الكتاب أخذ مشروعيّته من كون ثيمة الشَّر في الرّوايات والمجموعات القصصيّة موضع القراءة، تمظهرت، عبر حضورها، بقوّة وفاعليّة دلاليّة، ما منحها طابعًا جينالوجيًّا، رصدته القراءةُ عبر تأويل رموزه التي يتخفّى بلبوسها، من خلال الصّراعات التي ينشط بإقامتها، ومقاربة أسبابه وتجلّياته، كما تمظهر في النصوص السّردية، في علاقةٍ وثيقة بفضاء التّجربة الإنسانيّة الذّاتيّة، وليس البحث في أصوله، أو عرض تأويلاته في سياقاته التاريخيّة ومحاضنه المعرفيّة.
وكتب د.محمد آيت ميهوب في تقديمه للكتاب: "جمعٌ من الكتب هذا الكتابُ وحقولٌ من المعارف وفسيفساءٌ من النظريّات والمرجعيّات، ينتقل خلاله القارئ من الأدب إلى الفلسفة، ومن الجينالوجيا إلى السيميولوجيا، ومن البنيويّة إلى التداوليّة، ومن علم النفس إلى علم الاجتماع، ومن الأسطورة إلى التاريخ، ومن الظاهراتيّة إلى التأويليّة، ومن اللّفظ إلى الرمز، ومن التحليل السرديّ إلى الأدب المقارن".
ويضيف ميهوب: "ممّا لا شكّ فيه أنّ عنوان هذا الكتاب قد شدّك أيها القارئ الكريم وخضّك ودفعك إلى التساؤل بينك وبين نفسك عن المجال المعرفيّ الذي يتحرّك فيه نصّ خلدون أحمد امنيعم: أهو في النقد الأدبيّ أم في القول الفلسفي؟ ذلك أنّ التناص واضح مع نيتشه وكتابيه (جينالوجيا الأخلاق) و(ما وراء الخير والشر)، وقد تعدّدت إشارة المؤلّف إلى مفهوم الشرّ فنزّله منزلته من الفكر الإنسانيّ واتّصاله بالتجربة البشريّة في أبعادها المختلفة، وبيّن طبيعة الصلة بين كتابه وهذا المفهوم الذي يقع وسط مفترق طرق تتقاطع عنده مشاربُ متعدّدة فكريّة ومعرفيّة ودينيّة وأخلاقيّة وفلسفيّة وسياسيّة وسوسيولوجيّة وقانونيّة".
وأكد ميهوب على أن امنيعم "طوّع التحليل التطبيقيّ القائم على قراءة نصوص مفردة، لاستنطاق ما تكتنزه من أبعاد فكريّة وفلسفيّة ومعرفيّة متداخلة، والاستدلال على قدرة النص السرديّ، ولاسيما النصّ الروائيّ تحديدًا، على أن يستضيف ما شاء من الأفكار والمرجعيّات والتجارب الإنسانيّة؛ فيعجنها بطينه ومائه ويبعثها بعثًا جديدًا وقد اكتست من الأحداث دمًا ومن الشخصيّات لحمًا ومن الأمكنة والأزمنة ماءً".
/العُمانية/النشرة الثقافية/ طلال المعمري