الأخبار

آلة البرغام: جسر من التراث الموسيقي العُماني يربط بين الماضي والحاضر
آلة البرغام: جسر من التراث الموسيقي العُماني يربط بين الماضي والحاضر

مسقط في 11 نوفمبر /العُمانية/ بصوتها العميق وأصالتها، تدعونا آلة البرغام إلى رحلة استكشافية في عالم الموسيقى العُمانية. هذه الآلة النفخية، التي صنعت من قرون الحيوانات وزينت ببراعة، تحمل في طياتها رموزًا وقيمًا ثقافية عميقة. فهي أكثر من مجرد آلة موسيقية، بل هي لغة للتعبير عن الهوية والانتماء".

وتعدُّ آلة البرغام من الآلات النفخية الشعبية التي عرفت في سلطنة عُمان منذ أزمان بعيدة. تعود جذورها إلى تقاليد موسيقية عريقة، حيث كانت تستخدم في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات، كما كانت ذات أهمية رمزية ودينية. وتشير الدراسات إلى أن البرغام لها جذور إفريقية، حيث كانت آلات مشابهة لها تستخدم في العديد من القبائل الإفريقية. ومع مرور الزمن، تطورت البرغام وانتقلت إلى شبه الجزيرة العربية، واستوطنت في التراث العُماني حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ منه.

وصناعة البرغام تتطلب مهارة وحرفية عالية، يتم اختيار قرون حيوانات معينة مثل المها العُمانية والوعل النوبي والجاموس الآسيوي لصنعها. ويخضع القرن لعملية تحضير دقيقة تتضمن إزالة النخاع الداخلي وتشكيله لتأخذ الشكل المطلوب. ثم تتم إضافة الزخارف والنقوش التي تعكس الذوق العُماني الأصيل. وتعدّ هذه العملية فنًّا بحدّ ذاته، حيث يجمع بين الحفاظ على التراث وتوظيف الإبداع في صناعة آلة موسيقية فريدة.

أما صوت البرغام فيتميز بعمقه وقوته، وهو صوت يحمل في طياته الكثير من المعاني والدلالات. ويتميز هذا الصوت بتدرجاته الغنية وقدرته على التعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر. ولعل أبرز ما يميز صوت البرغام هو قدرته على حمل الرسائل والرموز، حيث كان يستخدم في الماضي لإعلان الأحداث المهمة ودعوة الناس للتجمع. وتمتاز البرغام بإصدار أصوات متعددة المستويات، رغم أنها محدودة النغم من حيث الوظيفة التاريخية. ولقد أظهرت الدراسات الصوتية أن البرغام تنتمي لعائلة الأبواق المستعرضة.

وتعدُّ آلة البرغام، أو "البرغوم"، جزءًا أساسيًّا من الفنون الشعبية في سلطنة عُمان، حيث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفني الرزحة والعازي. وتُستخدم هذه الآلة النفخية في فعاليات هذين الفنين، والعازي من فنون الشعر التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفن الرزحة، حيث يُقدّم العازي في بعض المناطق أيضًا بالتزامن مع فن العيالة. وتُستخدم هذه الفنون للتعبير عن الفخر والمدح والاعتزاز بالوطن والمجتمع، أما العازي، فيُعدُّ من الفنون الرجالية، حيث يتسم بالشجاعة والاستعداد السريع لتقديم المساعدة عند الحاجة وتؤدي آلة البرغام دورًا حيويًّا في فن الرزحة، حيث تُستخدم للإعلان عن مراسم التشريفات وإبراز العظمة والقوة. ويمتاز صوت هذه الآلة بعمق وامتداد زمني، مما يجعله مثاليًّا لإيصال رسائل متعلقة بالقوة والحضور. وفي سياق فن العازي، تُستخدم البرغام كإعلان حربي يحفز الاستنفار، مما يستثير الهمم والروح القتالية لدى أفراد القبائل.

وتظهر التسجيلات السمعية أن عازف البرغام لا ينسجم مع الإيقاع أو الألحان، بل يُصدر أصواتًا مستمرة تعدُّ رمزية أكثر من كونها موسيقية أو إيقاعية. إن صوت البرغام هو بمثابة إعلام عن الأحداث، مما يعكس الدور الإعلامي لهذه الآلة في الفنون الشعبية. إن مضامين الرزحة والعازي تجعل من آلة البرغام رمزًا صوتيًّا مثاليًّا لمساندة الأهداف الفنية والشعبية.

وتُعدّ آلة البرغام كذلك رمزًا ثقافيًا يحمل قيمة معنوية كبيرة في سلطنة عُمان، حيث تعكس تاريخًا عريقًا من التقاليد الموسيقية. ووجود هذه الآلة يرتبط بالانفتاح الثقافي الذي عرفته سلطنة عُمان مع الثقافات المجاورة، مستندًا إلى عوامل اقتصادية وسياسية، خاصة في عهد الإمام أحمد بن سعيد في عام 1840 ميلادي الذي شهد نقطة تلاقح ثقافي مهمّ بين العُمانيين والشرق الإفريقي.

/العُمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري