الأخبار

"أم الجْمال".. واحة "سوداء" شمال شرق الأردن

عمّان في 10 فبراير /العُمانية/على مساحة 550 دونماً، تتربع مدينة أم الجْمال (أو الواحة السوداء)، التي تم إدراجها أخيرًا كموقع أردني سابع على لائحة التراث العالمي لليونسكو، وذلك بسبب البوابات الحجرية التي تحيط بها، والتي صُنعت من الحجارة البركانية السوداء المتوفرة في المكان.

تعد أم الجْمال واحة لقوافل الصحراء، وتبعد 86 كيلومتراً عن العاصمة عمّان، ويعود تاريخ إنشاء المدينة إلى العصر النبطي ثم الروماني ثم البيزنطي، وبنيت بالحجارة البازلتية الكبيرة المدعومة بحجارة مستطيلة مشابهة لها، وأقامها الأنباط لتكون مدينة تابعة لهم لحماية قوافل التجارة، إذ تربط أم الجمال بين أراضي الأردن وفلسطين وسوريا والعراق.

وشُيدت المدينة على أطرف وادٍ مهيب، كان هو المصدر الأساسي الذي يمدها بالماء، الذي يعد أبرز عوامل الاستقرار البشري، كما أقيمت داخل المدينة أنظمة مائية غاية في الإتقان الهندسي، إذ تحتوي على نحو عشرة سدود، وعشرة خزانات محفورة بالصخر، بالإضافة إلى ثمانية وعشرين قناة لجلب الماء تتفرع لتغطي احتياجات المدينة بأكملها.

وفي العصر البيزنطي، بُنيت في المدينة سبع عشرة كنيسة، بالإضافة إلى مجمع سكني يضم ما يقارب 150 منزلاً، وسوقاً، ومرافق تخدم السكان، ومقابر، وهي إحدى المدن العشر في حلف الديكابولس الذي تم في العهدين اليوناني والرومان لتأمين خط سير القوافل التجارية.

وتعد المدينة اليوم، والتي يطلق عليها السكان لقب "السوسنة السوداء"، متحفاً حقيقياً شاهداً على تنوع الحضارات، ففيها بقايا حصون تقبع في داخلها كنائس عديدة، وأحواض ماء مسقوفة ومكشوفة، إلى جانب بقايا موقع عسكري روماني، كما تضم فسيفساء أثرية تصور نهر الأردن والمدن والقرى التي تترامى على طرفيه، كما اكتُشفت فيها بقايا مسجد أموي، وهياكل مثل هيكل البرتوريوم وبوابة كومودوس التي تعكس التراث الروماني والبيزنطي.

وتؤكد بقايا أم الجمال الأثرية على تقنيات البناء المبتكرة التي شُيدت بها، مثل التسقيف بالحجر المتشابك والصفوف المتداخلة، والتي أسهمت بدورها في إنشاء مبانٍ متعددة الطوابق ومتينة صمدت لقرون عدة. كما عُثر في المدينة على عدد من النقوش المكتوبة بأكثر من لغة منها النبطية واليونانية واللاتينية والصفوية والعربية، كما وُجدت نقوش ثنائية اللغة، والمفارقة أن بعض أبناء القبائل العربية الذين عاشوا في هذه المدينة إبّان القرون الميلادية الأولى كتبوا بأكثر من نوع للخط.

ويُعدّ نقش "أم الجمال النبطية" أو نقش "فهرو" من أهم النقوش، واكتشفه المستشرق الألماني "لتمان" في بدايات القرن الماضي، وأُرّخ النقش من قِبل مكتشفه بين عامي 250 و270 للميلاد، ويُعتقد أنه شاهِد قبر لشخص اسمه "فهرو بن سالي"، أما تأريخه فقد تم تحديده بناء على معرفة الباحثين لتأريخ حكم الملكجديمة الأبرشوالذي ذُكر اسمه في النقش، ورغم اقتضاب نص نقش "أم الجمال" بالنبطية إلا أن له أهمية كبرى بسبب ذكره اسم الملك جذيمة، واستخدمت فيه مفردات عربية فصحى.

ويمكن للزائر اليوم أن يتمتع بالتجوال في آثار "أم الجمال" التي تعد لؤلؤة صحراوية سوداء، ويمكنه أيضاً زيارة متحفها المتخصص، والاطلاع على العديد من المخططات والصور والنقوش الأثرية التي ترسم معالم المدينة منذ وُضع حجرها الأول قبل قرون حتى اليوم، إذ ما تزال القبائل تسكنها، والمزارع الخضراء تحيط بها.

العمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري

أخبار ذات صلة ..