واشنطن في 4 ديسمبر /العُمانية/ بدأت شركات التكنولوجيا في الآونة الأخيرة على التركيز لتطوير نماذج ذكاء صناعي أصغر وأقل تكلفة وأكثر كفاءة في سعيها لتقليص التكاليف واستهلاك الطاقة.
وبدأت شركات مثل جوجل، ومايكروسوفت، وميتا، وأوبن إيه آي في تقديم نماذج أصغر، كما تتيح أمازون أيضاً جميع أحجام نماذج الذكاء الصناعي على منصتها السحابية.
وتستند برامج مثل ChatGPT إلى خوارزميات تُعرف باسم «النماذج اللغوية الكبيرة»، وقد تفاخرَ مُنشئو روبوت المحادثة العام الماضي بأن نموذج GPT-4 يحتوي على ما يقارب تريليوني «معامل»، وهي اللبنات الأساسية لهذه النماذج.
يسمح الحجم الضخم لنموذج GPT-4 لـChatGPT بالرد على استفسارات في مجالات متعددة من الفيزياء الفلكية إلى علم الحيوان، لكن إذا كانت الشركة بحاجة إلى برنامج يعرف شيئاً محدداً، مثل التماسيح، يمكن أن تكون الخوارزمية أصغر بكثير.
كما قال لوران فيليكس من شركة إيكيميتريكس الاستشارية: "لا تحتاج إلى معرفة شروط معاهدة فرساي للإجابة على سؤال حول عنصر معين من الهندسة".
وقالت كارّا هيرست، مديرة الاستدامة في أمازون، من باريس: إن هذا التحول يُظهر أن صناعة التكنولوجيا تتجه نحو «الاعتدال والتوفير»، وأن النماذج الصغيرة تكون أكثر ملاءمةً للمهام البسيطة مثل تلخيص الوثائق أو فهرستها، أو البحث في قاعدة بيانات داخلية.
وتقوم شركة ميرك الأمريكية للأدوية على سبيل المثال بتطوير نموذج بالتعاون مع شركة بوسطن كونسلتينغ جروب لفهم تأثير بعض الأمراض على الجينات، وقال نيكولا دي بيلفون، رئيس الذكاء الصناعي في بوسطن كونسلتينغ جروب: "سيكون نموذجاً صغيراً جداً، يتراوح بين مئات الملايين وعدد قليل من مليارات المعاملات".
وقال لوران دوديه، رئيس شركة LightOn الفرنسية الناشئة المتخصصة في النماذج الصغيرة: إن هذه النماذج لها العديد من المزايا مقارنة بنماذجها الأكبر، وأضاف: "غالباً ما تكون أسرع وقادرة على الرد على المزيد من الاستفسارات والمستخدمين في الوقت نفسه"، كما أشار إلى أنها أقل استهلاكاً للطاقة، ما يجعلها أكثر كفاءة من الناحية البيئية، وهو ما يمثل أحد المخاوف الرئيسة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
تحتاج النماذج الكبيرة إلى مجموعات ضخمة من الخوادم «لتدريب» برامج الذكاء الاصطناعي ومعالجة الاستفسارات، وهذه الخوادم، المكونة من رقائق متقدمة للغاية، تتطلب كميات ضخمة من الكهرباء لتشغيلها وتبريدها، أما النماذج الصغيرة فتحتاج إلى عدد أقل بكثير من الرقائق، ما يجعلها أقل تكلفة وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.
يُشدد أيضاً على أن النماذج الصغيرة يمكن أن تعمل دون الحاجة إلى مراكز بيانات، حيث يمكن تثبيتها مباشرة على الأجهزة، وقال آرثر مينش، رئيس شركة «ميسترال إيه آي» الفرنسية الناشئة: "هذه إحدى الطرق لتقليل البصمة الكربونية لنماذجنا".
وأشار لوران فيليكس إلى أن استخدام النماذج مباشرة على الأجهزة يعني أيضاً مزيداً من «الأمان والسرية للبيانات»، حيث يمكن تدريب البرامج باستخدام بيانات خاصة دون الخوف من تسريبها.
ومع ذلك، لا تزال النماذج الأكبر تتمتع بميزة في حل المشكلات المعقدة والوصول إلى مجموعة واسعة من البيانات، وقال دي بيلفون: إن المستقبل سيشمل على الأرجح تواصل النماذج المختلفة مع بعضها بعضاً.
وأضاف: "سيكون هناك نموذج صغير يفهم السؤال ثم يرسل هذه المعلومات إلى عدة نماذج بأحجام مختلفة حسب تعقيد السؤال، وإلا، سنواجه حلولاً إما غالية جداً أو بطيئة جداً، أو كلاهما".
يذكر أنه رغم أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ما زالت واعدة بشكل كبير، إذ لم نصل بعد إلى ذروة استخداماتها، فإنها مرتبطة بشكل مباشر بالتقنيات الأخرى التي تعمل على تشغيل وتطوير الذكاء الاصطناعي، فمهما تطور الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، لن يصبح قابلًا للاستخدام من دون خوادم سحابية قادرة على تشغيل هذه التقنيات المتطورة.
ومن أجل تشغيل الخوادم السحابية المتطورة والقادرة على مواكبة تطور الذكاء الاصطناعي، يجب على الشركات تطوير بطاقات رسومية ومعدات تشغيل ملائمة لقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو أمر ما زالت بقية الشركات تعاني في تطويره، فضلًا عن أن هذه المعدات الأقوى تحتاج إلى مصادر طاقة ملائمة لتشغيلها.
الجدير بالذكر أنه في الوقت الحالي، تواجه مراكز البيانات التابعة للذكاء الاصطناعي تحديات عدة متمثلة في حجم استهلاك الطاقة الذي تحتاجه هذه المراكز وأثرها البيئي، ورغم وجود عديد من المبادرات لتطوير خوادم جديدة وأكثر قوة للذكاء الاصطناعي، فإن الشركات ما زالت تواجه تحديات في تنفيذ هذه المبادرات وتطوير مصادر طاقة جديدة أو حتى شرائح جديدة ملائمة لهذه المتطلبات، وهو الأمر الذي يحد من قوة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في الوقت الحاضر.
وبشكل عام، لا يمكن القول بأن الذكاء الاصطناعي وصل إلى ذروة تطويره أو استخداماته، ولكن يختلف الأمر عند النظر إلى الإمكانات الحالية، فبينما يمكن تطوير الذكاء الاصطناعي لتقديم مزايا وقدرات جديدة، غير أن هذا التطوير لن يكون سريعًا كما كان في الماضي.
ومن المتوقع أن يتراجع معدل طرح النماذج الجديدة من التقنيات المعتادة للذكاء الاصطناعي للأسباب السابق ذكرها، هذا إن لم تجد الشركات حلولًا مبتكرة لتخطي هذه التحديات الجديدة.
/العُمانية/
هيثم الربيعي