الأخبار

الذكاء الاصطناعي.. تأثير على الإبداع الثقافي الفكري
الذكاء الاصطناعي.. تأثير على الإبداع الثقافي الفكري

مسقط في 18 فبراير /العُمانية/ لا تزال هيمنة الذكاء الاصطناعي حاضرة بقوة في مجالات شتى في واقعنا المعاش على الرغم من أنه في مراحله التأسيسية الأولى وفق ما وصفه الكثيرون من المتابعين والمشتغلين على أسسه، إلا أن إشغاله لحيز كبير من مهامنا بات أمرًا مقلقًا لصنّاع الإبداع ومتقنيه، فهو يذهب إلى عوالم جديدة من التحديات كونه يخاطب العقل البشري بشكل مباشر، كما أنه يوجد وقائع بصرية واقعية لمن أراد مجاراته والولوج إلى مساراته.

لذلك ظهر الكثير من الأسئلة الحذرة المحفوفة بالقلق، تتمثل في تأثير ثورة هذا الذكاء على الإبداع الثقافي والفكري، ونتائجها في المديين القريب والبعيد، والقراءة المستقبلية لهذه الثورة وبيان تماسها مع الفكر وتأثير ذلك على الناتج الثقافي بمختلف أشكاله.. كل تلك النقاط شكلت محور نقاش مع المختصين في المجال الإبداعي على المستويين المحلي والعربي..

في بداية الحديث أشار البروفيسور اللبناني غسّان مراد أستاذ اللسانيات الحاسوبية ورئيس مركز الدراسات والأبحاث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة اللبنانية لوكالة الأنباء العُمانية أنه بعد ما يقارب 70 عامًا من العمل بالتقنيات الحديثة وصلت التطبيقات إلى تخطي بعض الحواجز التي يمكن أن تشكل تحديًا، منها الالتباس اللغوي حيث أصبحت الخوارزميات قادرة على صياغة حديث متجانس وأقرب للحديث المتواتر من البشر.

وبين أن العالم في مرحلة تغير في أدوات التعبير وأساليب الحياة، وأن التقنيات لها جوانب إيجابية وفي ذات الوقت يمكن أن تؤثر سلبًا، موضحًا أن البشرية تمر بمرحلة بناء حضارة جديدة يمكن تسميتها بـ" الإنسانية الرقمية"، وهناك تداخل بين الثقافة والتكنولوجيا.

مشيرا أن للذكاء الاصطناعي (AI) تأثيرا على تنوع أشكال التعبير الثقافي وهو أمر طبيعي بما أن التقنيات أصبحت موجودة في كل مكان، وأن مجالات الذكاء الاصطناعي والثقافة مرتبطان ببعضهما ولا يمكن الفصل بينهما، ويجب دائمًا إدراج الثقافة في المناقشات المتعلقة بتطوير الذكاء الاصطناعي.

والسؤال الذي يُطرح إجمالًا هو: هل بالإمكان أن تكون هذه التطورات مفيدة للنظام البيئي الإبداعي العربي؟ والإجابة "نعم"؛ إذا تضافرت السياسات العامة والتشريعات اللازمة والمزيد من الشراكات بين الدوائر الإبداعية ودوائر الذكاء الاصطناعي. وهذا يتطلب ألا تكون الثقافة مجرد ضيف في المناقشات حول الذكاء الاصطناعي، بل هي صاحب مصلحة حقيقي، وفي نهاية المطاف ليست انعكاسا للهوية المشتركة، بل إنها إحدى ركائز المجتمع وهويته وقيمه.

ولتحقيق التوافق بين الثقافة والذكاء الاصطناعي، يجب تفعيل عدد من الروافع، أهمها بناء قانون لحقوق النشر يتناسب مع التحول الرقمي، مع ضمان أن تكون الثقافة في قلب القوانين واللوائح المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

ويؤكد أن هذا التّحوّل في التقنيات يؤدّي إلى البحث عن أدواتٍ معرفيةٍ تتوافق معه، شريطة أن يكون مناسبًا للسياق الاجتماعي، وألا تضيع بوصلة الأفراد، فالتحوّل في الوثائق، وفي الشبكات الاجتماعية، وفي آليات التواصل، وفي تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، لها نتائج وتبعات على مستوى المجتمعات والأفراد، ولا تكون بالضرورة ذات توافق مع معايير المجتمعات وأخلاقياتها، ما يؤدّي في أغلب الأحيان إلى رفض التقنيات، مما يطرح جملة من الأسئلة حول حقيقة المجتمعات المستقبلية التي يمكن أن تكون مدمرة لهوية الفرد، إذا لم نكن حريصين في التعامل مع الحاسوب والشبكة، ومن السهل إيجاد ضوابط كتابية، ولكن تبقى العبرة في التنفيذ، ومن ضمن المشاكل المطروحة هي ما يتعلق بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.

ويوضح أن الذكاء الاصطناعي لا يتمتع بأي أخلاقيات تذكر، فأخلاقياته مرتبطة بأخلاقيات المبرمج من جهة وبـ "أخلاقيات" البيانات، ونقول إن الحياد مفردة غير شائعة التطبيق عند مصنعي التطبيقات الرقمية عموما، ففي الماضي على سبيل المثال يتم بيع الإعلانات إلى المشاهد، والآن حقيقة يتم بيع المشاهد لشركات الإعلانات، ومن هنا يأتي طرح السؤال: هل من المفترض ترك الأخلاقيات لصناع التكنولوجيا؟ والجواب هل بالإمكان عمل غير ذلك؟، فقد باتت هذه الشركات مسيطرة على صناع القرار السياسي، فهي من ناحية رافعة اقتصادية ومن ناحية ثانية تتيح إمكانية المراقبة ومن ناحية ثالثة هي وسيلة تعطي القوة لمن يمتلكها ويستخدمها لفرض ما يريد، فهي أدوات التنافس والحروب الحالية (الباردة والحامية) على أنواعها بين الدول.

ويختتم قوله إنه بالرغم من هذه التساؤلات يبقى الإنسان هو الأساس في كل التفاصيل، وبالرغم من المحاولات بتحويله إلى رقم كباقي الأرقام بالنسبة للسلطات والمؤسسات، فمن المفترض العودة إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية والإعلامية، وإعادة النظر في السلطات المعرفية على أنواعها، وذلك يعني الانتقال من علم النفس إلى علم النفس الرقمي لفهم سلوك الأفراد جراء هذا التغيير، والانتقال من العلوم الاجتماعية إلى العلوم الاجتماعية الرقمية، وكل ما له علاقة بشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها.

وفي هذا السياق يشير الدكتور سعود الحنيني فنان تشكيلي عُماني لوكالة الأنباء العُمانية إلى أنه قبل كل شي يجب أن نعرّف أولًا مفهوم الذكاء الاصطناعي، فهو باختصار مجال من علوم الحاسوب يهدف إلى إنشاء أنظمة وبرامج قادرة على أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًّا، وهو تقنية تتطور بسرعة وتتداخل في مختلف جوانب الحياة البشرية، بما في ذلك المجالات الثقافية والفنية والفكرية، وهناك آراء متباينة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يعزّز أو يهدّد الإبداع البشري، وهذا يعتمد على كيفية تعريف الإبداع ومقاييسه ومصادره، فهو يمكن أن يكون أداة مساعدة للبشر في توليد وتحسين وتنويع الأعمال الفنية والأدبية والموسيقية وغيرها من المنتجات الثقافية والفكرية بناءً على البيانات والنماذج والخوارزميات المتاحة.

ويؤكد الحنيني أنه لا يمكن أن يحل محل البشر في الإبداع، فالبشر هم من يمتلكون الرؤية والمعنى والقيمة والعاطفة والخيال والذوق والحكم الفني والنقدي، وهم من يتواصلون مع الجمهور وينشئون حوارًا وتفاعلًا وتأثيرًا ثقافيًّا واجتماعيًّا وفكريًّا من خلال أعمالهم، ولكن قد يشكل تحدّيًا أو خطرًا على الإبداع البشري، إذا تم استخدامه بشكل سيّء أو مفرط أو غير مسؤول، مما قد يؤدي إلى تقليد أو تشويه أو تدمير الأعمال الثقافية والفكرية الأصيلة، أو إلى تقليل الحاجة للبشر أو القدرة أو الحافز للإبداع.

ويضيف أن الثورة التكنولوجية للذكاء الاصطناعي تفتح آفاقًا جديدة للمفكرين والمنتجين الثقافيين، وستؤثر على مستقبل الثقافة بمختلف أشكالها. فكيف نقرأ هذا التأثير ونربطه بالفكرة؟ هذا سؤال مهم يستحق البحث والتأمل. ولعل أحد الجوانب التي يمكن النظر فيها هو تأثير الذكاء الاصطناعي على الفنون التشكيلية أهم مظاهر الثقافة البشرية.

ويبيّن أن الذكاء الاصطناعي سيزيد من صناعة الفنون الإلكترونية ومن رواج وقيمة الفنون الأصيلة والحقيقية التي خرجت من أيدي الفنانين، وسيشتاق المتذوقون لامتلاك الأعمال الفريدة والمبدعة التي أنجزها البشر، وعلاوة على ذلك أنه لا يمكن مقارنة الذكاء الاصطناعي بالفن التشكيلي، فهما من مجالين متباينين، لذلك فإن هذا الذكاء لا يهدد الفن التشكيلي، بل يدعمه ويطوره، فهو مختلف عنه في جوهره ومنبعه، وهو ثمرة للتقنية والبرمجة، بينما الفن التشكيلي هو ثمرة للموهبة والعقل وهو منجز للإبداع البشري والحس الفني، وهو محفوظ بحقوق الملكية الفكرية التي تضمن احترامه واعترافه من قبل المؤسسات الفنية. وقد أكد ذلك مكتب حقوق الطبع والنشر في الولايات المتحدة بأن نتاجات الذكاء الاصطناعي لا تخضع لحقوق الطبع والنشر إلا في ظل شروط محددة.

كما يتحدث سعيد فيصل العلي، محاضر في الكلية العلمية للتصميم لوكالة الأنباء العُمانية عن ثورة الذكاء الاصطناعي على الإبداع الثقافي الفكري، ليأخذ "التصميم نموذجًا" ويقول: بالنسبة للذكاء الاصطناعي في مجال التصميم، تطوّر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وتحديدًا بعد جائحة كورونا، والسبب الرئيس هو ازدياد اعتماد الإنسان بشكل كبير جدًا على المحتوى الرقمي في جميع مجالات الحياة تقريبًا، وهذا التطور أصبح يشكّل قلقًا كبيرًا عند الكثير وتحديدًا فئة المصممين والمبدعين، وقد ظهرت مجموعة من التخوّفات من هذا التطور ومما سيحدث في الأيام والسنوات القادمة، ولذلك أصبح من المهم التعرف أكثر على تأثير ثورة الذكاء الاصطناعي على التصميم.

ويفسر حديثه: يستخدم الذكاء الاصطناعي في التصميم بطريقتين الأولى الأدوات الجاهزة (المستقلة) وهي برمجيات متوفرة على الإنترنت أو يمكن تحميلها على الحاسوب وتعمل على بناء تصميم معين بناءً على معلومات يتم إدخالها، وتقوم هذه البرمجيات بتحليل البيانات المدخلة والاعتماد على بيانات مشابهة مخزنة مسبقا، والثانية برمجيات التصميم (أدوات الذكاء الاصطناعي، وتكون جزءا مدعما لهذه البرمجيات): تستخدم كأدوات متوفرة داخل برامج التصميم لعمل مهام محددة.

ويبين أن للقلق في هذه الثورة أسبابا منتشرة عند الكثير، ومنها الكساد في البحث والاهتمام بإبداع المصمم الثقافي والفكري، والتأثير على فرص العمل، وتناقص الطلب على الخدمات والتصاميم بمختلف أشكالها بسبب الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي الجاهزة التي قد تعمل بشكل سلبي على التأثير على العائدات لشركات التصميم والإنتاج والأفراد العاملين في المجال الحر.

ويتساءل قائلا: لأي مدى هذه الأسباب دقيقة؟! لننظر بشكل أعمق لبعض الأمور المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ومنها محدودية الإبداع، فعلى الرغم من أن أدوات الذكاء الاصطناعي تنتج تصاميم مميزة وإبداعية إلا أن ما يجهله الكثير أن المحتوى الرقمي الذي يتم إنتاجه باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحصل بدون معلومات يزود بها أي نظام ذكي. وهذه المعلومات من صنع الإنسان فتصبح كمية الإبداع محدودة اعتمادًا عليها ومثال ذلك بعض الأدوات التي تعمل على دمج أكثر من تصميم مشابه للمعلومات التي أدخلها المستخدم، فمن المؤكد لا يمكن لأي نظام أن يتغلب على إبداع العقل البشري.

ويشير إلى أنه يمكن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإبداع الفكري والثقافي عند المصممين حيث بدأت الشركات العالمية المعروفة كأدوبي (Adobe) وأوتوديسك (Autodesk) باستخدام الذكاء الاصطناعي داخل برامجها كأدوات موجودة داخل هذه البرامج، وتقوم هذه الأدوات بعمل مهام محدّدة بضغطة زر واحدة وهو ما يوفر الجهد والوقت ويساعد المصمم على التفرغ للإبداع الفكري الثقافي في التصميم، وبالتزامن مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي الجاهزة التي لا تحتاج إلى خبرة في التصميم لإنتاج محتوى رقمي ازدادت نسبة الطلب والحاجة للإنتاج الرقمي في مختلف المجالات وهذا يصحح نسبة العرض والطلب بين المصممين وشركات التصميم من جهة والطلب على الخدمات والتصاميم الإبداعية من جهة أخرى.

ويختتم قوله: القراءة المستقبلية لهذه الثورة ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور المجال التكنولوجي بشكل عام وما دامت عجلة التطور تسير بهذه السرعة فلا بد للذكاء الاصطناعي في مجال التصميم أن يتطور بشكل ملحوظ خلال المستقبل القريب والبعيد، وهذا التطور سيشمل أدوات الذكاء الاصطناعي الجاهزة.

ولكن في المقابل أيضا برامج الإنتاج المعروفة للشركات العملاقة أيضا ستتطور ولا يجب أن ننظر دائما فقط إلى الأدوات الجاهزة لأن توفر أدوات الذكاء الاصطناعي في برامج معروفة للتصميم والإنتاج الرقمي يوفر الوقت والجهد -كما أسلفنا- وبالتالي يساعد في تطور الإبداع والإنتاج الفكري والثقافي، ومن المعروف أن أي تطور في المجال التكنولوجي يؤدي إلى زيادة في الطلب على المحتوى الرقمي نظرًا لازدياد الاعتماد على الأجهزة الذكية بمختلف أنواعها، والدليل على ذلك، نتائج دراسة لأحد الباحثين والمختصين في علوم تطور التكنولوجيا بأنه بحلول سنة 2050 سيكون التعليم في العالم إلكترونيا بالكامل، ودراسة أخرى توقعت استبدال الهواتف الذكية بتقنيات الواقع الافتراضي خلال سنوات قليلة.

بينما يقول الشاعر والكاتب معاوية الرواحي لوكالة الأنباء العُمانية إن القلق على نتائج هذه الثورة هو قلق مرتبط بالسلامة أولًا ومن ثم هو قلق مرتبط بالمصالح التي معظمها مصالح تجارية، ويأتي قلق الملكية الفكرية أكبر أشكال القلق التي كل شركات الذكاء الاصطناعي تحاول التغلب عليه. أما من حيث إن هذه الأداة ستجعل الإنسان العادي فنانًا يمكن القول "نعم" قد تجعل الذي يحوّل نصًّا نثريًّا إلى لوحة يملك عملًا فنيًّا لكن في كل الأحوال الذي يحوّل الموهبة والمهارة باستخدام هذه الأداة سيرتقي إلى مصاف إبداع جديد، إبداع أفضل من ذلك العادي.

ويبيّن أن باستخدام الذكاء الاصطناعي قد لا تحتاج إلى مهارات معينة لكن كل ما يفعله هو توفير الوقت لأنها أداة، وهذا لن يعوض صناعة الفكرة الفريدة التي هي عنصر رئيس من عناصر نجاح العمل البشري، أي إن أي تقنية جديدة تسبب القلق ولكن هذا لا يعني مطلقا أن العالم لن يتأقلم معها أو لا يجد الحلول لها ولكن سيبدو إننا سنضطر إلى التعايش مع مشاكل جديدة في المحيط الإبداعي إلى أن يتم التأقلم مع وجود الذكاء الاصطناعي كما تم التأقلم آنفا مع الفن الرقمي، حيث كان في فترة من الفترات مرفوضًا ولا يتم الاعتداد به حتى أصبح الآن أداة من أدوات الفنان.

ويضيف أنه على صعيد الذكاء الاصطناعي يبقى السؤال الأكبر مرتبطا باستخدام الإنسان هذه التقنية، فكما أنها الآن تسهل عملية التعلم والإبداع وتسهل أيضًا عمليات معقدة كانت تأخذ أسابيع وأصبحت الآن تأخذ ساعات من إعطاء الأوامر لبرامج الذكاء الاصطناعي، فماذا سيحدث عندما يتم استخدام هذه التقنية في الحروب؟ ماذا سيحدث عندما يتم توظيف هذه التقنية في الإبادة؟ ماذا سيحدث عندما يتم توظيف هذه التقنية في القتل والعنف والتدمير؟ وإن كان السؤال الإبداعي إحدى الأسئلة التي ترهق الإنسان المسالم فإن الإنسان الذي لا يشعر بالطمأنينة تجاه أفاعيل البشر بعضهم ببعض لديه أسئلة أكبر، هل الذكاء الاصطناعي يعِدُ بحياة أفضل أم بموت أسرع.

ويرى الدكتور مصعب يوسف محلا أستاذ الدراسات الاستراتيجية المساعد بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس لوكالة الأنباء العُمانية أن الذكاء الاصطناعي يتسم خصوصًا بالمستوى الفائق منه بقدرة تفوق قدرة الإنسان في مختلف المجالات العقلية والفنية، مبنية على تعلم ذاتي مستمر في التحسن، وقد وصل لمرحلة تجاوز عتبة القدرة على فهم العواطف البشرية والسياق الاجتماعي والثقافي بما في ذلك اللغات والتفاعلات الاجتماعية، والقدرة على حل المشاكل البشرية المعقدة.

ويشير إلى أننا أمام مرحلة تحول تتخطى التصورات التقليدية فالإمكانات الفائقة للذكاء الاصطناعي التوليدي ستسهم في إحداث تحول جذري في الإبداع الثقافي والفكري، ولدى سلطنة عُمان بمؤسساتها وأبنائها إمكانات لا يستهان بها لأخذ زمام المبادرة في هذا المجال، والاستفادة المثلى من التحول القادم القائم على الذكاء الاصطناعي، شريطة القيام بما تحتاجه هذه المبادرة من توفير عوامل النجاح والتفوق، ابتداء من التكوين بكل مستوياته التعليمية إلى التطوير والتطبيق بكل مجالاته الحياتية.

ويؤكد على أن الثورات المعرفية من هذا القبيل تقود تحولات جذرية بالنسبة للأفراد والمجتمعات على حد سواء، وهي ضرورات ينبغي وعيها واكتساب متطلبات تعلمها وتطوير استخدامها، فدور الإنسان الذي يتعرض إلى أكبر تهديد نتيجة ما يسود من توقعات أن يتجاوز الذكاء الاصطناعي مرحلة القيام بالمهام الروتينية إلى المهام التي تتطلب تفكيرا وإبداعا كان حتى الأمس القريب من صميم الملكات البشرية التي تحمي تفوق الإنسان على التكنولوجيا، ولكن على الرغم من ذلك فإن لدى الأفراد كما لدى الدول خصوصًا من يتمتعون بالاستقرار والرخاء ويسايرون التطور، فهؤلاء وحدهم من لديهم الفرصة ليكونوا من لاعبي الأدوار المستقبلية، لأن معيار القوة بحدّ ذاته يتعرّض للتغيير، ويمكن الحديث عن تولد سباق تسلح تقني نتيجة تسارع تقدم خوارزميات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ودخولها كافة مجالات الحياة، وازدياد الأهمية الاستراتيجية لهذه التقنية وتأثيرها على القوة الاستراتيجية الشاملة للدول، فنحن نشهد ثورة في تعريف الإبداع ذاته، قوامها إيجاد أشكال جديدة من التعبير الفني واستحداث المحتوى على نحو لم يكن من الممكن تصورها في السابق، وهذا كلّه نتيجة توظيف الذكاء الاصطناعي توظيفًا يمكِّن الفنانين والكُتّاب والمبدعين من تجاوز حدود حرفتهم وإطلاق العنان لإمكانات جديدة.

ويضيف: يجب تعزيز التعاون والشراكات، بين المؤسسات داخل الدولة وخارجها وبين الدولة وبقية الدول لمشاركة المعرفة والتقنيات المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تبادل الخبرات والتقدم السريع في مجال تطوير القدرات التكنولوجية، والمراقبة والتقييم والتكييف المستمرين للذكاء الاصطناعي لضمان أمرين؛ والسماح بانتشار استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإحداث تطوير أخلاقي له على نحو متوازن وفي خطى منسجمة، مما يحدّ من إساءة استخدامه في المجالات المختلفة، ويسمح بتوليد منظومة معرفية وتقنية، ووضع استراتيجيات للتعامل مع التطور السريع والملتبس للذكاء الاصطناعي، خصوصًا مع المستوى الثالث منه الذي أطلق عليه الذكاء الاصطناعي الفائق، فهو إحدى أهم الأدوات في إدارة التغيير وسيعمل على تحليل البيئة الاستراتيجية للمنظمات، مما يساعد في صياغة الرؤية الاستراتيجية التي ستكون الموجه إلى التغيير، واقتراح مكتسبات سريعة للمنظمة ويخطط لتنفيذها.

/العُمانية/

خميس الصلتي