الأخبار

قضايا وآراء في الصحافة العالمية
قضايا وآراء في الصحافة العالمية

عواصم في 3 نوفمبر /العُمانية/ استضافت مدينة قازان الروسية خلال الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الماضي قمة مجموعة "بريكس" التي حملت الآمال الكبيرة للبعض في إقامة "نظام دولي أكثر توازنًا وعدالةً".

وقد تأسست مجموعة بريكس رسميًا في 2009 في روسيا، حين عقدت أول قمة بين قادة روسيا والصين والبرازيل والهند.

وحملت المجموعة في بدايتها اسم "بريك" (BRIC) اختصارًا للأحرف الأبجدية الأولى باللغة اللاتينية لكل من البرازيل وروسيا والهند والصين. وفي سنة 2010 انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة لتصبح "بريكس" (BRICS).

وفي وقت سابق من هذا العام، توسعت مجموعة البريكس من خمس دول إلى تسع دول حيث انضمت كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات. كما تقدمت نحو ثلاثين دولة أخرى ــ بما في ذلك تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، وتايلاند والمكسيك وإندونيسيا بطلبات الانضمام.

ويرى بعض المحللين أنه بالرغم من الغايات الاقتصادية والتنموية التي تغلب على أهداف تجمع بريكس، فإن ذلك لا يخفي تطلعات سياسية تتعلق بمحاولة تحقيق عالم متعدد الأقطاب.

وفي هذا السياق، تابعت وكالة الأنباء العُمانية بعضًا من الآراء التي خطتها أقلام الكتّاب في عددٍ من الصحف العالمية وسلطوا من خلال مقالاتهم الضوء على صعود مجموعة البريكس وسط حالة عدم اليقين العالمية، وقدرة المجموعة على أن تكون حافزًا للإصلاح العالمي بالإضافة إلى وضع البريكس في عالم يواجه تغيرات جيوسياسية، و مجموعة البريكس: التحول بعيدًا عن الغرب أم ضده.

فصحيفة "ديلي صباح" التركية نشرت مقالًا بعنوان: "صعود مجموعة البريكس وسط حالة عدم اليقين العالمية" بقلم الكاتب "صالح كايا".

وقال الكاتب في بداية مقاله أن من الشائع جدًا أن ننسى الماضي القريب. فكما حدث في أعظم مراحل تاريخ البشرية، صفق الغرب ذات يوم لوصول نظام عالمي نيوليبرالي جديد، كان قائمًا على القيم والمبادئ الغربية. واليوم، انقلبت الأمور مرة أخرى، وأصبح الضباب كثيفًا، مما يجعل من الصعب التنبؤ بما سيأتي بعد ذلك.

وطرح تساؤلًا مفاده: هل نسير نحو عالم ثنائي القطب حيث يسعى كل جانب إلى تشكيل عوالم منفصلة خاصة به، أم أن هناك فرصة للتعاون داخل حدود النظام الدولي القائم؟

وأوضح الكاتب أن غالبًا ما تعمل الأفلام والمسرحيات على إضفاء الطابع الدرامي على الواقع. وحتى في عالم السينما، لم يتخيل أحد أبدًا نظامًا عالميًا يتألف من ثلاث قوى عظمى بعد الحرب الباردة.

ومع ذلك، لا شيء يبقى على حاله، وكما يقول المثل، "لا يمكنك أن تنزل إلى نفس النهر مرتين".

ويرى أن هذه المرة، أصبح النظام الدولي أكثر تقلبًا من أي وقت مضى منذ فترة ويستفاليا (وهو اسم يطلق على معاهدتي السلام اللتين دارت المفاوضات بشأنهما في مدينتي أسنابروك ومونستر في وستفاليا وتم التوقيع عليهما في 15 مايو 1648 و24 أكتوبر 1648م ووضعت حدًّا لحرب الثلاثين عامًا في الإمبراطورية الرومانية المقدسة (معظم الأراضي في ألمانيا اليوم) وحرب الثمانين عامًا بين إسبانيا ومملكة الأراضي المنخفضة المتحدة).

وأشار الكاتب إلى أن هناك علامات مبكرة على تشكيل نظام عالمي شبه ثنائي القطبية. فمن ناحية، تنهض الصين كقوة عظمى كاملة، بقدرات لا تضاهيها أي من حلفائها أو خصومها باستثناء الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، تبرز روسيا كقوة عالمية حكيمة وذات خبرة على الرغم من افتقارها إلى القوة الاقتصادية والتكنولوجية.

ويعتقد الكاتب أن مع تحول توازن القوى العالمي، تجد الدول نفسها عالقة بين التعاون والتنافس، مع وجود مجموعة البريكس في طليعة هذه الديناميكية المتطورة.

وبيّن أن صعود القوى غير الغربية، وخاصة الصين وروسيا، يشير إلى مستقبل حيث يمكن للحكم العالمي أن يتحول بعيدًا عن الهيمنة الغربية.

من جانبه، يرى الكاتب "براهما تشيلاني" وهو أستاذ فخري للدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، أن مجموعة البريكس قد تكون حافزًا للإصلاح العالمي.

واستفتح الكاتب مقاله، الذي نشرته مؤسسة "بروجيكت سينديكت"، بالإشارة إلى أن عصرًا جديدًا من العلاقات الدولية قد بدأ.

وأوضح أن مع تراجع حصة الغرب في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتحول العالم إلى متعدد الأقطاب على نحو متزايد، تتدافع البلدان لترسيخ مواقعها في النظام الناشئ.

وبين أن هذا النظام يشمل كلًا من الاقتصادات الناشئة ــ التي تمثلها مجموعة البريكس الموسعة مؤخرًا ــ التي تسعى إلى الاضطلاع بدور قيادي في صياغة قواعد النظام الجديد، والبلدان الأصغر حجمًا التي تحاول تنمية العلاقات مع الدول القادرة على حماية مصالحها.

وأكد الكاتب أنه مع مجموعة البريكس، تحول ما بدأ كفئة من الأصول إلى رمز لنظام عالمي أكثر تمثيلًا على نطاق أوسع، وتحوط ضد المؤسسات التي يقودها الغرب، ووسيلة للملاحة في ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسي المتنامية.

وبين أن الوقت الذي يسلط فيه تنوع أعضاء المجموعة (والمتقدمين بطلبات الانضمام) الضوء على الجاذبية الواسعة التي تتمتع بها مجموعة البريكس+، فإنه يوجد أيضًا تحديات.

ولفت إلى أن هذه الدول ذات أنظمة سياسية واقتصادات وأهداف وطنية مختلفة للغاية، بل إن بعضها على خلاف مع بعضها البعض كالصين والهند.

ويعتقد الكاتب أن مع وجود تسع دول أعضاء ــ وربما أكثر ــ فإن إرساء هوية وأجندة مشتركة سوف يتطلب جهدًا مستدامًا.

ونوّه إلى أن مجموعة البريكس أظهرت قدرة كبيرة على الصمود، في الوقت الذي كان فيه المحللون الغربيون يتوقعون أن المجموعة سوف تتفكك أو تنجرف إلى عدم الأهمية.

ويرى الكاتب أن قمة مجموعة البريكس+ التي عقدت الشهر الماضي في روسيا قد تجلب التحرك نحو المزيد من التوسع، لأنها تؤكد على فشل الغرب- من وجهة نظره- في عزل روسيا بعد حربها مع أوكرانيا التي بدأت في عام 2022.

وقال في ختام مقاله أن المجموعة تواجه تحديات كبيرة، ليس أقلها التوحد لكي تصبح قوة عالمية ذات مغزى وأهداف سياسية واقتصادية محددة وواقعية.

ولكنها تمتلك أيضا القدرة على العمل كمحفز لإعادة تنظيم الحوكمة العالمية التي طال انتظارها بحيث تعكس بشكل أفضل حقائق القرن الحادي والعشرين.

وفي سياق متصل، نشرت صحيفة "نيو ستريتز تايمز" الماليزية مقالًا بعنوان: "البريكس وسيلة للتحوط في عالم يواجه تغيرات جيوسياسية" بقلم كل من "مارك جون" و "ليبي جورج".

وأشارا في مستهل المقال إلى أن في الوقت الذي كانت فيه أجواء التوتر سائدة أثناء اجتماع رؤساء المالية العالميين في واشنطن الأسبوع الماضي مع قرب الانتخابات الأميركية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في مدينة قازان الروسية يرحب بزعماء الدول التي تشكل مجتمعة ما يقرب من نصف سكان العالم.

ويرى الكاتبان أن نادي البريكس للاقتصادات الناشئة قد يكون بعيدًا كل البعد عن منافسة صندوق النقد الدولي أو تحدي هيمنة الدولار الأمريكي، ولكن القمة الأولى مع الدفعة الجديدة من أعضائها أظهرت علامات واضحة على ثقلها المتزايد.

ولفتا إلى أن البيان الختامي كان طويلًا في الكلمات وقصيراً في التفاصيل حول إنشاء آليات جديدة للدفع والتجارة قادرة على تجاوز الهياكل التي يهيمن عليها الغرب، بما في ذلك حالة روسيا، والعقوبات التي فرضتها بعد غزوها لأوكرانيا.

وأكّدا على أن القمة حققت سلسلة من الانتصارات الدبلوماسية، منها حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ورجب طيب أردوغان رئيس تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، والتي أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة البريكس.

وقال الكاتبان أنه بالنسبة للرئيس الروسي بوتين، كانت الحقيقة البسيطة المتمثلة في سفر العديد من القادة إلى روسيا للمشاركة في المحادثات، مفيدة في مواجهة الرواية القائلة بأن بلاده تواجه العزلة عن الاقتصاد العالمي.

واقتبسا في هذا السياق حديث أليشيا جارسيا هيريرو، وهي زميلة بارزة في مركز بروغل للأبحاث الاقتصادية، حيث قالت: "إن الغرب لا يدركون أهمية هذا الأمر. كل هذا يشير إلى أن الغرب بدأ يفقد قوته".

وأوضح الكاتبان أن قمة قازان أبرزت عدم الرضا عن النظام الذي يُنظَر إليه باعتباره لا يخدم معظم العالم، مع انهيار التحويلات الرأسمالية إلى الاقتصادات النامية على مدى العقد الماضي وعدم تمثيل البلدان الناشئة بشكل كاف في عملية صنع القرار في صندوق النقد الدولي.

من جانبهما، يرى الكاتبان "نارايانابا جاناردان" و "حسين حقاني" أن توسع مجموعة البريكس يشير إلى التحول بعيدًا عن الغرب، وليس التحول ضده.

وأوضحا في مقالهما الذي نشرته صحيفة "ذا هيل" الأمريكية أن البريكس - التي سميت على اسم أعضائها المؤسسين الخمسة، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا - قد أصبحت مجموعة أوسع من الدول غير الغربية التي تريد البقاء خارج المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين وتأمل في إعادة ضبط النظام العالمي.

وبينا أن إدراج الإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا وإيران في قمة البريكس السادسة عشرة في روسيا كان بمثابة علامة رسمية على توسع المجموعة.

وأشار إلى أن مجموعة البريكس قد بدأت في عام 2009 كمنتدى للتعاون بين أكبر خمس اقتصادات ناشئة في العالم. ولكن بحلول عام 2024، تحاول تحويل نفسها إلى صوت فعال للجنوب العالمي، وتسعى إلى الفرص الاقتصادية التي تشعر العديد من البلدان أن الغرب يحرمها منها.

وقال الكاتبان في هذا الجانب: "بدلًا من النظر إلى مجموعة البريكس باعتبارها مؤشرًا آخر على النفوذ الصيني المتزايد، يمكن لصناع السياسات الأمريكيين إعادة معايرة المشاركة العالمية للنظر في الأسباب والمشاعر التي ألهمت مثل هذا التحول بعيداً عن الغرب.

فعلى سبيل المثال، لا تسعى الدول الثلاث في الشرق الأوسط التي انضمت إلى مجموعة البريكس إلى التحول بعيداً عن الغرب فحسب.

ومن المرجح أن يكون قرارها جزءاً من عملية مستمرة من التنويع الاقتصادي والدبلوماسي والأمني التي تسعى إليها دول الشرق الأوسط وآسيا".

ولفتا إلى أنه بغض النظر عن بعض التعليقات الإعلامية الغربية، فإن أيًّا من زعماء مجموعة البريكس لا يريد أن يُنظَر إلى المجموعة باعتبارها تحديًا للولايات المتحدة أو الغرب.

ونوّها إلى أن جنوب أفريقيا قد أكدت على أن مجموعة البريكس "شاملة" وليست "معادية للغرب".

وأيدت البرازيل هذا من خلال التأكيد على أن الأعضاء الجدد في المجموعة تم اختيارهم لأهميتهم الجيوسياسية وليس لأيديولوجيتهم.

ومن جهته، أكد الكاتب "وانج هويوا" على أن مجموعة البريكس ليست معادية للغرب، بل إنها تريد فقط نظامًا عالميًا أكثر عدالة.

وأوضح في مقاله الذي نشرته صحيفة "ساوث شاينا مورنينج بوست" الصينية أنه من خلال دعم الشمول الاقتصادي والاستقلال الاستراتيجي وريادة الابتكار المالي وتعزيز السلام، تعد مجموعة البريكس قوة من أجل الخير.

وأشار الكاتب إلى أن قمة البريكس السادسة عشرة التي عقدت في قازان الروسية نتج عنها تطور مهم غالبًا ما يساء فهمه وهو: أن البريكس ليست كتلة معادية للغرب ولكنها منصة جديدة لتمكين البلدان النامية من الانخراط في الحوكمة العالمية.

ولفت إلى أن القمة، التي شارك فيها أكثر من 20 رئيس دولة، قد أظهرت كيف يمكن للاقتصادات الناشئة أن تساهم في التنمية العالمية.

ووضح أنه في حين تمثل مجموعة البريكس نحو 30 بالمائة من الاقتصاد العالمي ونحو نصف السكان، فإنها لا تنوي تحدي المؤسسات القائمة بل تسعى بدلًا من ذلك إلى إثرائها من خلال المنافسة الصحية والتنمية التكميلية.

ويعتقد الكاتب أنه في النظام العالمي المتعدد الأقطاب المتطور، تُمثل مجموعة البريكس أول منصة رئيسية تقودها البلدان النامية لتعزيز التنمية.

ورغم أن هذا قد يوحي بالمنافسة مع المؤسسات القائمة، إلا أن المنافسة الصحية تدفع الابتكار والتقدم.

ويرى أن خصوصية الكتلة تكمن في ثلاث خصائص رئيسية. أولًا: يجمع شمولها الاقتصادي بين البلدان في مراحل متفاوتة من التنمية. من الاقتصادات الناشئة الكبرى إلى الدول النامية، يمكن للجميع الانخراط في التعاون العملي دون أي شرط أيديولوجي.

وثانيًا: تواصل مجموعة البريكس الريادة في إيجاد حلول مبتكرة في مجال الحوكمة الاقتصادية العالمية. وهناك نظام الدفع الدولي Brics Pay الذي يجري تطويره، ويساعد بدوره في منع تسليح مثل هذه الأنظمة.

وهناك بنك التنمية الجديد الذي يتخذ من شنغهاي مقرًّا له، الذي وافق على أكثر من 35 مليار دولار أميركي لتمويل 105 مشاريع تنموية.

ثالثًا: تتمسك مجموعة البريكس بمبدأ الاستقلال الاستراتيجي. حيث تحافظ الدول الأعضاء على استقلالها في اختيار مسارات التنمية المناسبة لظروفها الوطنية.

وبعيدًا عن التعاون الاقتصادي، تقوم دول مجموعة البريكس بدور متزايد الأهمية في تعزيز السلام والاستقرار العالميين، وسط مشهد دولي مضطرب وحروب إقليمية.

وقال الكاتب أنه بالنسبة للجنوب العالمي، تُشكل مجموعة البريكس منصة مهمة للتعاون والتنمية، بما في ذلك إنشاء مناطق التجارة الحرة والمجمعات الصناعية، فضلًا عن تعزيز التخفيف من حدة الفقر، والتحول إلى الطاقة الخضراء وتعزيز البنية الأساسية.

وأكد على أن التعاون الاقتصادي الذي تتبناه دول مجموعة البريكس أكثر احتياجًا من التحالفات العسكرية أو الأمنية الناشئة في عالمنا الأكثر تحديًا من الناحية الجيوسياسية.

/العُمانية/

أحمد صوبان