عواصم في 6 أكتوبر /العُمانية/ تابعت وكالة الأنباء العُمانية بعضًا من الآراء حول قضايا متنوّعة تناولتها الصحف العالمية عبر مقالات نُشرت في صفحاتها وتطرّقت إلى رحلة أسطول الصمود العالمي، وتأثير الذكاء الاصطناعي على القراءة، إضافةً إلى جوهر هذه التقنية بين الأتمتة والإنسانية.
فقد نشرت صحيفة "ديلي صباح" التركية مقالًا بعنوان "أسطول الصمود العالمي: رحلة ضمير ضد الحصار الإسرائيلي على غزة" بقلم الكاتب محمد راكيب اوجلو، وهو محاضر بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ماردين أرتوكلو التركية.
وحلل الكاتب في مقاله رحلة "أسطول الصمود العالمي" إلى غزة ليس كعملية إغاثة، بل كتحدٍ استراتيجي ورمزي وقانوني ضخم لإفلات إسرائيل من العقاب والدعم العالمي الذي يمكّنها من ذلك.
وأوضح أن هذا الأسطول، الذي يضم أكثر من 50 سفينة مدنية من نشطاء من 44 دولة، يمثل انتفاضة لضمير الإنسانية العالمية في مواجهة عجز الحكومات، محققًا نجاحًا رمزيًا وقانونيًا بالغ الأهمية رغم الاعتراض الإسرائيلي العنيف.
وأكد الكاتب على أن الأسطول لم يكن ذراعًا لأي حكومة، بل تحالف شعبي ضمّ برلمانيين وأطباء وفنانين وناشطين من خلفيات دينية وفكرية متنوعة.
انطلق هؤلاء المتطوعون طواعية، محمّلين بالمساعدات وليس بالأسلحة، متحدّين التهديد المباشر بالعنف الإسرائيلي، مستذكرين سابقة الهجوم الدامي على أسطول "مرمرة" عام 2010.
وربط الكاتب توقيت الأسطول بمناورة سياسية على حد وصفه، وهي ما أسماه "اقتراح السلام" الأحادي الجانب الذي كشف عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويرى الكاتب أن هذه الخطة كانت محاولة لإيجاد "مسار دبلوماسي" مصطنع لتقويض الشرعية الأخلاقية للأسطول ونزع صفة الشرعية عن عمله.
وكشف عن تصعيد إسرائيلي مسبق، تمثل في قصف سفن الأسطول في ميناء تونسي قبل انطلاقه، ووضع خطط عسكرية معلنة لاعتراضه في المياه الدولية، وهو ما وصفه الكاتب بـ "القرصنة الحكومية".
وأشار إلى أن في الأول من شهر أكتوبر الجاري، وكما كان متوقعاً، اعترضت إسرائيل الأسطول واستولت على سفنه في المياه الدولية في عمل وصفه الكاتب بـ "القرصنة".
ومع ذلك، يعتقد الكاتب أن الأسطول حقق نجاحاً باهراً يتجاوز مجرد إيصال المساعدات، فقد حقق نجاحًا رمزيًا حيث حطّم جدار اللامبالاة العالمية وكشف زيف المسار الدبلوماسي المصطنع، من خلال نظام إعلامي لامركزي (بث مباشر، وسائل تواصل اجتماعي) وفضح أفعال إسرائيل.
كما حقق نجاحًا قانونيًا حيث سلّط الضوء على التناقض الصارخ بين شرعية عمل النشطاء (حق المرور البريء) وقرصنة إسرائيل المتكررة للقانون الدولي، إضافةً إلى تحقيقه نجاحاً ماديًا غير مسبوق، فلأول مرة منذ سنوات، تمكّنت سفن من الأسطول من اختراق المياه الإقليمية لغزة بشكل مادي ورمزي، مما أحدث صدعًا ملموسًا في جدران الحصار.
وأكد الكاتب في ختام مقاله على أن رسالة الأسطول الأهم هي أن حركة النضال المدني هذه ضد الاحتلال لا تنتهي، بل تتوسع، مما يثبت أن أمل الإنسانية، متى ما أُشعل، فإنه لا ينطفئ.
من جانبها، تطرقت الكاتبة "نومي بارون" الأستاذة الفخرية في اللغويات، في مقالها الذي نشرته شبكة الكونفيرسيشن، حول التغير الكبير والخطير -على حد وصفها- الذي طرأ على نظرة المجتمع للقراءة بسبب الذكاء الاصطناعي، الذي حوّل القراءة من مسعى إنساني جوهري إلى مهمة آلية قابلة للتفويض.
وترى الكاتبة أن أدوات الذكاء الاصطناعي التي تقدم ملخصات وتحليلات فورية للكتب لا تقتصر على توفير الوقت فحسب، بل تُضعف الدافع للقراءة العميقة، مما يُهدد بفقدان المنافع المعرفية والعاطفية الأساسية التي لا توفرها أي آلة.
وأشارت إلى أن فكرة استبدال القراءة بملخصات ليست جديدة، مستشهدة بـ CliffsNotes "كليفس نوتس" وهي سلسلة شهيرة من أدلة الدراسة للطلاب والتي تقدم ملخصات وتحليلات موجزة للأعمال الأدبية وغيرها من الموضوعات.
ولكنها تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يرفع هذه الظاهرة إلى مستوى غير مسبوق. فأدوات مثل "بوك آيه آي شات" لا تقدم ملخصات مفصلة فقط، بل تتيح الدردشة مع الكتاب وإجراء مقارنات معقدة بين النصوص، مثل مقارنة روايتي "هكلبيري فين" و "الحارس في حقل الشوفان" حول مرحلة البلوغ، وهي مهام كانت تتطلب في السابق قراءة متأنية وتحليلًا شخصيًا من الطالب.
ونوّهت الكاتبة إلى أن الإحصائيات تُظهر أن منسوب القراءة للاستمتاع كان في انحدار حتى قبل انتشار الذكاء الاصطناعي. ففي الولايات المتحدة، انخفضت نسبة طلاب الصف الثامن الذين يقرؤون للمتعة يوميًا من 35% عام 1984 إلى 14% عام 2023.
وحذرت من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي للقراءة نيابة عنّا لا يعني فقط توفير الوقت، بل هو شكل من أشكال "التفريغ المعرفي".
وذكرت أن الأبحاث الناشئة تشير إلى أن هذا الاعتماد يقلل من شعور الأفراد بالاعتماد على قدراتهم الفكرية، بل ويغير أنماط نشاط الدماغ.
وقالت إن الخطر الحقيقي هو إضعاف المهارات المعرفية الأساسية مثل القدرة على التحليل النقدي وربط الأفكار وصياغة التفسيرات الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت الكاتبة أننا نفقد الجوانب الإنسانية التي تجعل القراءة مجزية مثل المتعة العاطفية من المواجهة مع حوار مؤثر أو التقدير الجمالي لجملة رائعة، أو الارتباط العميق بشخصية روائية.
وترى أن الكفاءة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي مغرية، لكنها تأتي على حساب "النمو الشخصي" الذي ينشأ من اختبار صراعات الشخصيات بشكل غير مباشر.
ومن وجهة نظرها فإن جاذبية الذكاء الاصطناعي في القراءة تخفي مخاطرة كبيرة تتمثل في تقويض أركان المعرفة والاستمتاع الأدبي.
وقالت في ختام مقالها: "إذا واصلنا تفويض مهمة القراءة للآلات، فإننا لا نخاطر فقط بضمور مهاراتنا الفكرية، بل ونخاطر بفقدان أحد أهم المصادر للتطور العاطفي والإنساني".
وفي سياق متصل، حذّر البروفيسور بيتر كيرشلاغر في مقاله الذي نشرته منصة "بروجيكت سينديكت" الإعلامية من الحملة التسويقية المضللة التي تقودها شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي تروّج لفكرة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون "صديقًا" أو "رفيقًا" أو "وكيلاً" موثوقًا به للإنسان.
الفكرة الرئيسة التي يدفع بها الكاتب هي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، في جوهرها، ليست سوى آلات معقدة قائمة على معالجة البيانات وهي تفتقر بشكل جوهري إلى الذكاء الحقيقي والوعي والأهم من ذلك الفاعلية الأخلاقية، مما يجعل وصفها بمثل هذه المصطلحات البشرية أمرًا خطيرًا ومضللًا.
ويرى الكاتب، وهو مدير معهد الأخلاقيات الاجتماعية بجامعة لوسيرن السويسرية، أن مصطلح "الذكاء الاصطناعي" نفسه مضلل، فهو يوحي بوجود وعي وفهم حقيقيين، بينما الواقع أن هذه الأنظمة مجرد أدوات تقنية مصممة لمحاكاة وظائف معرفية محددة. فهي لا تفهم العالم من حولها وليست موضوعية أو محايدة، بل تعمل فقط من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات.
واقترح استخدام مصطلح أكثر دقة وهو "الأنظمة القائمة على البيانات" لأنه يعكس حقيقة عملها: جمع البيانات ومعالجتها وتقييمها لإجراء تنبؤات، دون أي فهم حقيقي.
الركن الأساسي في حجة الكاتب هو أن هذه الأنظمة تفتقد إلى الأخلاقيات بالمعنى الإنساني.
وأوضح أن الأخلاق البشرية تنبع من الاستقلالية والقدرة على إدراك المعايير الأخلاقية والتصرف بناءً على مبادئ قابلة للتعميم، مثل فهم أن فعلًا ما يكون صحيحًا فقط إذا كان من الممكن تطبيقه كقاعدة عامة. بينما تفتقر أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى هذه القدرة تمامًا، فهي مصممة للوظائف والتحسين وليس لفهم العواقب الأخلاقية لأفعالها.
وأعطى مثالًا على سيارة ذاتية القيادة التي قد تدهس شخصًا إذا كان ذلك يحقق "هدفها" المتمثل في الوصول بأسرع وقت، لأنها غير قادرة على إدراك القيمة الأخلاقية لحياة الإنسان.
وحذر الكاتب من أن هذه الشركات، التي يرى أنها ساهمت من قبل في عزلتنا وتمزيق النسيج الاجتماعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقدم الآن وهمًا جديدًا هو استبدال التواصل البشري بعلاقات وهمية مع آلات.
وبيّن أن هذه الأنظمة تعاني من مشكلة "الصندوق الأسود"، حيث تكون عملياتها الخوارزمية غير قابلة للتتبع أو التنبؤ، مما يؤدي حتمًا إلى نتائج متحيزة وتمييزية.
لم ينفِ الكاتب في مقاله أن هذه الأنظمة يمكن أن تكون مفيدة في مجالات محددة تتجاوز فيها قدراتها القدرات البشرية، مثل تحليل البيانات الضخمة. ولكنه يطالب بإدارة المخاطر الأخلاقية التي تشكّلها والتخفيف منها.
ومن وجهة نظره، فإن حماية حريتنا وكرامتنا الإنسانية تتطلب منّا أن نرى هذه الآلات على حقيقتها، وهي أنها أدوات قوية ولكنها عديمة الضمير، ويجب ألا نسمح لها أبدًا بأن تتنكر في صورة ما ليست عليه – أي أن تكون بديلاً عن التفكير والعلاقات الإنسانية الحقيقية.
/العُمانية/
أحمد صوبان
